الإمارات.. من الصحراء إلى الفضاء

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب
الخيمة لها دلالات سياسية عميقة في تاريخ الإمارات، فهي تعني الصحراء الممتدة النقية، وتعني القبلية بما تحمله من قيم الكرم والعطاء والشجاعة والقوة والتسامح. والفضاء يحمل معنى المستقبل وامتداد الدور والمكانة بامتداد الكون نفسه، ويعني العلم والمعرفة والقدرة على التكيف والتنبؤ بتحولات القوة الدولية الشاملة.

الكلمتان تلخصان مسيرة البناء السياسي من التأسيس إلى المستقبل. وكانت الخطوة الأولى في لقاء الخيمة الصغيرة في قلب الصحراء بين المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، في منطقة عرقوب السديرة بين أبوظبى ودبي.

وكان طيب الله ثراه في 18 فبراير (شباط) 1968 يرسم ملامح مستقبل الإمارات والإقليم كله. وبرؤيته وحكمته كان يدرك الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية للمنطقة، وأدرك أنه لا بديل لملء الفراغ العسكري والسياسي بعد مرحلة استعمار طويلة إلا ببناء قوة وطنية تجمع إمارات الخليج في دولة واحدة. هذه الرؤية الحكيمة ما زالت ممتدة إلى اليوم بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.

وعظمة لقاء الخيمة، كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «زايد وراشد كانا يعلمان بقرار مغادرة الإنجليز المنطقة فى عام 1968 قبل الإعلان الرسمي.. ما حدث في هذا الاجتماع ما كان أحد يتوقعه خاصة الإنجليز حيث اتفقا على الاتحاد الثنائي»، ويضيف «قال زايد: على بركة الله، وضعنا حجر الأساس وسنبني الجدار إن شاء الله، وبعدها قام كل منهما بمصافحة الآخر، وصار إلاتفاق من دون تواقيع، ولا أوراق».

هذه هي القيم الصادقة، حيث تحوّل هذا الاتحاد الثنائي إلى اتحاد الإمارات السبع، وتم إعلان قيام الدولة في الثاني من ديسمبر 1971. تأكدت مصداقية هذا اللقاء من خلال الإنجازات العظيمة التي تتبدى اليوم في عيد الاتحاد ال52، حيث باتت الإمارات تحتل مكانة مميزة على الخارطة السياسية العالمية.

إن عظمة ما قام به المؤسس الشيخ زايد تتجلى في الانتقال السريع من أرض صحراوية إلى أرض عامرة بالمؤسسات والبنية التحتية الشاملة وبالإنسان القادر المعطاء. هذا الاستثمار في الإنسان آتى أكله في جيل من شباب الفضاء يمثلهم هزاع المنصوري وسلطان النيادي، وبذلك تحقق حلم زايد في الوصول للفضاء بقوله:«إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته». وحلمه بالفضاء تحقق اليوم ببناء بنية الفضاء التي تجسدها مؤسسة محمد بن راشد ووكالة فضاء الإمارات، وبالتعليم والمعرفة ومسايرة الثورة التكنولوجية وبناء جيل على أسس من العلم ومواكبة التطورات التكنولوجية. تتأسس في الإمارات دولة المستقبل المبنية على العلم والمعرفة والقرار الرشيد والمشاركة الفاعلة في تحولات القوة عالمياً والمساهمة الإيجابية في بناء السلام العالمي والتنمية المستدامة. واليوم، حيث الإمارات تحتضن مؤتمر«كوب 28» فإن الدولة باتت تشكل عاصمة عالمية للمستقبل، ويتقرر فيها مستقبل الأرض من خلال مواجهة التغير المناخي.

ويبقى، أنه بعد 52 عاماً من الإنجاز، فإن الدولة تدخل قائمة الدول العشر الأولى لأول مرة في مؤشر القوة الناعمة لعام 2023، وهي تحتل المرتبة الثامنة للقيادات، والتاسعة في التأثير الدبلوماسي، والسابعة في قوة الإقتصاد، والعاشرة في متابعة الجمهور العالمي، والثالثة في الكرم والعطاء.

هذه المكانة هي دليل على صحة منهجية الدولة التنموية ودورها المؤثر في كافة المجالات، وشريك مؤثر في صناعة القرارات الإقليمية والدولية التي تسهم في بناء السلام والتنمية والرفاهية لكل الشعوب. ويتجسد هذا الدور في المبادرات الإنسانية التي تتبانها الأمم المتحده. هذا النجاح تقف وراءه قيادة رشيدة ومواطنة واحدة ومنظومة قيم إنسانية من التعايش والتسامح والسلام.

الإمارات، دولة تقدم للعالم نموذجاً للدولة الإنسانية الشاملة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yp764vud

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"