تداعيات البوتاس البيلاروسي

22:14 مساء
قراءة 4 دقائق

ليف لفوفسكي*
تعد بيلاروسيا واحدة من أكبر المصدرين لكلوريد البوتاسيوم أو «البوتاس» في العالم، وقد مثلت نحو 17.6%، أو 12.2 مليون طن، من الإنتاج العالمي لهذه الأسمدة الزراعية المهمة في عام 2020، وصادراتها امتدت لأكثر من 100 دولة.

وذهب أكثر من نصف هذه المبيعات إلى البرازيل والصين وإندونيسيا والهند، و15% أخرى ذهبت إلى بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وكان 5% فقط من إجمالي حجم صادرات البلاد من الأسمدة مخصصاً لبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، الأعضاء في رابطة الدول المستقلة.

وبما أن صناعة البوتاس في بيلاروسيا تخضع بالكامل لسيطرة الدولة، فإن هذا المنتج الاستراتيجي يعد مصدراً مهماً لجني الضرائب وتدفقات النقد الأجنبي للبلاد.

فقبل عام من بدء الجائحة، على سبيل المثال، أدخلت مبيعات أسمدة البوتاس 2.8 مليار دولار إلى الخزينة المركزية لبيلاروسيا، وهو ما يعادل أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و7% من إجمالي عائدات التصدير.

وعلى اعتبار أنها دولة غير ساحلية، تعتمد بيلاروسيا بشكل كبير على البلدان المجاورة لتصدير البوتاس إلى الأسواق البعيدة. وهنا تلعب ليتوانيا دوراً مهماً في سلسلة التوريد، إذ يتعامل ميناؤها البحري في كلايبيدا على بحر البلطيق مع نحو 90% من البوتاس البيلاروسي.

لكن في أغسطس/آب عام 2021، تغير هذا الوضع مع فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على مينسك على خلفية قضية الانتخابات الرئاسية وما رافقها من احتجاجات آنذاك. ومن بين القيود التي فرضتها واشنطن حظر إبرام عقود جديدة مع المنتجين والمصدرين البيلاروس لأسمدة البوتاس، وتجميد العقود القائمة مع التحذير من إمكانية استكمالها.

وفي الأول من فبراير/شباط 2022، تسبب قرار ليتوانيا حظر عبور البوتاس عبر أراضيها وموانئها البحرية في أكبر ضرر اقتصادي لشركات البوتاس البيلاروسية. ما حرم بيلاروسيا من طريق الإمداد الوحيد لها. وبعد شهر تقريباً، في مارس/آذار 2022، ورداً على تورطها في الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً كاملاً على استيراد أسمدة البوتاسيوم من بيلاروسيا. ليتم في يونيو/حزيران من العام نفسه تجميد أصول شركة «بيلاروسكالي» الحكومية وذراع التصدير التابعة لها. ونتيجة لذلك، انهارت صادرات البوتاسيوم البيلاروسي في ذلك العام بمقدار أربعة أضعاف تقريباً، لتصل إلى 3 ملايين طن فقط، وانهارت معها كميات الإنتاج.

وفي محاولة للصمود في وجه العقوبات، اتخذت بيلاروسيا سلسلة من الخطوات الأولية لرسم طرق عبور بديلة، ولكن دون جدوى. فالصادرات الحالية من البوتاسيوم البيلاروسي، على الرغم من أنها أعلى مما كانت عليه عام 2022، لن تصل في أفضل الأحوال إلا إلى 70% من مستويات ما قبل العقوبات. علاوة على ذلك، فإن خسارة أوكرانيا كمستهلك للبوتاس، من ناحية، ومزود للخدمات اللوجستية، من ناحية أخرى، فاقمت الوضع سوءاً.

وبعد أن أصبحت هدفاً سهلاً للعقوبات، حاولت بيلاروسيا اتخاذ تدابير مضادة. وفكرت الحكومة في بناء ميناء بحري في روسيا. وبالفعل، وصل الاقتراح إلى العلن، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوات فورية على الإطلاق. وشملت الأفكار الأخرى إنشاء محطة نهرية في أوكرانيا لتصدير البوتاس منها، لكن الحرب وضعت حداً لهذه الخطة أيضاً. اليوم، يتم تصدير حصة كبيرة من سماد البوتاس البيلاروسي إلى الصين عن طريق السكك الحديدية عبر روسيا. وتحاول مينسك دمج الموانئ البحرية الروسية في سلاسل التوريد الخاصة بها. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الاتحاد الروسي يعد أيضاً أحد روّاد العالم في صادرات البوتاس، وبالتالي يرى في بيلاروسيا منافساً، ما يجعل موسكو أقل اهتماماً بتزويد جارتها بأي دعم فعال.

كما أنه وبعد حصولها على احتكار فعلي لعبور البوتاس البيلاروسي، أصبحت روسيا في وضع يسمح لها بفرض تعريفات نقل أعلى، وهو ما يعني تأثيراً سلبياً إضافياً في أرباح «بيلاروسكالي». فضلاً عن أن خطوط السكك الحديدية المؤدية إلى الصين، وحتى تلك المؤدية إلى الموانئ البحرية الروسية، أطول بكثير من الطريق إلى كلايبيدا على بحر البلطيق، ما يعني كُلف عبور أعلى.

في شق متصل، وبما أن بيلاروسيا مسؤولة عن إنتاج نحو 20% من أسمدة البوتاس في العالم، فإن انخفاض حصة صادراتها من السلعة يثير مخاوف جدية بشأن الأمن الغذائي العالمي. ولذلك دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى رفع القيود المفروضة على البوتاس البيلاروسي، مشيراً إلى خطر حدوث أزمة غذائية محتملة.

ولكن على ما يبدو بدأت هذه المخاطر بالتلاشي، فقد أظهرت البيانات استقرار سوق أسمدة البوتاس العالمية مرة أخرى بعد الارتفاع الحاد في الأسعار، كما سهلت العقوبات إعادة هيكلة الموردين الرئيسيين. وعلى سبيل المثال، يتم الآن تعويض الحصة المفقودة من البوتاسيوم البيلاروسي جزئياً من خلال زيادة صادرات الأسمدة من كندا وتطوير قنوات إفريقية جديدة.

وعلى الرغم من أن كلفة سماد البوتاس أصبحت الآن أعلى قليلاً مما كانت عليه في عام 2019، فإنه لا توجد علامات على نقص المنتج في السوق العالمية. وتبقى العقوبات المفروضة على الصناعة أداة مهمة في ترسانة الضغط الموضوعة تحت تصرف المجتمع الدولي.

* باحث في الاقتصاد ومدير مؤسسة «بيروك» الفكرية في بيلاروسيا «مجلة السياسة والمجتمع الدولي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9ppt5z

عن الكاتب

باحث في الاقتصاد ومدير مؤسسة «بيروك» الفكرية في بيلاروسيا «مجلة السياسة والمجتمع الدولي»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"