الانتخابات البلدية التركية: إسطنبول لمن؟

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

غالباً ما تلفت اهتمام الجمهور في أي بلد، ثلاثة انتخابات: رئاسية ونيابية وبلدية. ومع أن الاهتمام يذهب إلى مركز الثقل في القرار السياسي، وهو إما رئاسة الجمهورية، وإما البرلمان الذي تصدر عنه الحكومة، فإن الانتخابات البلدية تعتبر أحد المؤشرات المهمة إلى مزاج الناخب، وما إذا كان مستقراً، أو متبدلاً لهذا الحزب أو ذاك.

لذا، فإن الانتخابات البلدية تحظى باهتمام كبير، نظراً لحجم الخدمات التي تقدمه أحياناً كثيرة، ولاستقاء العِبر من نتائجها من أجل الانتخابات الأكثر أهمية على الصعيد السياسي، وهي الرئاسة أو البرلمان.

في تركيا لا يختلف الأمر كثيراً عن هذه المعايير، والحسابات، والصراعات. فالانتخابات البلدية تحظى باهتمام كل المواطنين، لأن البلدية المصدر الرئيسي للخدمات المحلية، خصوصاً على الصعيد المعيشي، فيما يكون مفتاح الأمن بيد محافظ المدينة، أو المنطقة.

في عام 2019 شهدت تركيا انتخابات بلدية مثيرة، حيث لعب العامل الاقتصادي دوراً كبيراً في تغيير مزاج الناخب. فقد شهدت الأعوام التي تلت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 تدهوراً كبيراً في سعر صرف الليرة التركية لعوامل مختلفة. فكان من السهل على المواطن – الناخب أن يعبّر عن سخطه في صندوقة الاقتراع البلدي. فكانت المفاجأة الكبيرة في الإطاحة بمرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم، في كل من إسطنبول وأنقرة، وهما المدينتان اللتان سيطر عليهما الحزب منذ عام 1994. وتمتاز بلدية إسطنبول بأنها الموقع الذي انطلق منه رجب طيب أردوغان في مسيرته السياسية، عندما أصبح رئيساً لبلديتها حينها عن حزب الرفاه الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان.

كان ذلك إيذاناً بأن الوضع خطر بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية. وعلى هذا الأساس بدأ أردوغان بتغيير استراتيجيته الداخلية، لأن الانتخابات البلدية كانت مؤشراً على مزاج الناخب. وعلى امتداد السنوات التي تلت كان أردوغان يعمل على تلافي الأسباب التي أفضت إلى خسارة إسطنبول، ومعها أنقرة، وهو العامل الاقتصادي.

ومع أن أردوغان نجح في عام 2023 في الفوز بالرئاسة، وهي مركز الثقل الأساسي في النظام التركي، فإنه كان يدرك جيداً أن الفوز كان صعباً وبفارق ضئيل (52 في المئة مقابل 48 في المئة)، وأنه لا يمكن الركون إلى بعض الانتعاش الاقتصادي. إذ عاد الاقتصاد إلى تراجعه السابق، واضطر البنك المركزي، قبل أيام، إلى إعادة رفع الفائدة التي كان أردوغان ضغط سابقاً لتخفيضها.

وتعتبر الانتخابات البلدية المقبلة التي ستجرى في نهاية مارس/ آذار المقبل، أول امتحان لأردوغان بعد فوزه بالرئاسة. وهو يعوّل كثيراً على «استعادة» رئاستها من رئيس البلدية الحالي، أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي كان مفاجأة انتخابات عام 2019. وتمثل استعادة رئاسة بلدية إسطنبول مسألة ذات أهمية معنوية فائقة لأردوغان الذي كان يعتبرها بمثابة «ملك شخصي». لذلك فإن الأسماء المطروحة لرئاسة البلدية لدى حزب العدالة والتنمية ستكون من بين الأسماء الأكثر تأثيراً وإقناعاً في الحزب. وليس أدل على أهمية إسطنبول في الحياة السياسية، وليس الاقتصادية فقط، من أن رئيس بلديتها الحالي إمام أوغلو، فضّل أن يكون مرشحاً من جديد لرئاسة البلدية على أن يكون رئيساً لحزبه، وهو الحزب العلماني الأكبر في تركيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yz2ne2hz

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"