«كوب-28» يصنع حدثه من اليوم الأول

22:14 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

كانت بداية مؤتمر الأطراف الدولي للمناخ في نسخته الثامنة والعشرين (COP-28)، الذي تستضيفه الإمارات في دبي، قوية جداً بحيث لا تترك مجالاً للشك أن المؤتمر يصنع حدثه يومياً بكل ما هو مختلف وجديد عن السياقات السابقة لمؤتمرات الأطراف، كما هو باد من نتائجه التي تترى منذ اليوم الأول لانعقاده، ما يعني أننا أمام نسخة مختلفة تماماً من سلسلة مؤتمرات الأطراف التي انطلقت لأول مرة في برلين عام 1995 (إثر إبرام اتفاقية المناخ الأم: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «UNFCCC» في قمة الأرض في البرازيل عام 1992).

فبعد الإعلان صبيحة اليوم الأول من انعقاد «COP-28» عن إنشاء صندوق الخسائر والأضرار (Loss and Damage Fund) لتعويض الدول الفقيرة عن الخسائر والأضرار التي تتعرض لها جراء الكوارث المناخية الطبيعية المتطرفة، بمساهمة إماراتية بلغت 100 مليون دولار، ألقى رئيس دولة الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، كلمة في الجلسة العامة الافتتاحية للمؤتمر التي حضرها لفيف من زعماء العالم، أعلن خلالها عن إنشاء أكبر صندوق استثماري خاص بقيمة 30 مليار دولار، مخصص للحلول المناخية على مستوى العالم، ومصمم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة، والعمل على جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030.

كما أكد التزام دولة الإمارات باستثمار حوالي 130 مليار دولار إضافية في السنوات السبع المقبلة.

رئاسة المؤتمر أفادت في بيان، بأن الصندوق الذي أطلق عليه اسم «ألتيرّا» (ALTÉRRA Fund)، سيخصِّص 25 مليار دولار لاستراتيجيات المناخ، و5 مليارات دولار لتحفيز تدفقات الاستثمار إلى الجنوب العالمي. وإن الصندوق قد تم إنشاؤه، بحسب البيان، بالتعاون مع مديري الأصول العالمية «بلاك روك»، و«بروكفيلد»، و«تي بي جي»؛ وإن صندوق «ألتيرّا» سيخصص 6.5 مليار دولار للاستثمار العالمي عبر الصناديق المتخصصة في تمويل مشاريع المناخ، بما في ذلك الجنوب العالمي. وسيعمل الصندوق على «توجيه أسواق القطاع الخاص نحو الاستثمارات المناخية والتركيز على تحويل الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية»، اعتباراً من ارتفاع المخاطر العالقة في أذهان المستثمرين وأعاقت الاستثمار التقليدي.

«بلاك روك» في بيان لها قالت إن صندوق «ألتيرّا» سيستثمر مليار دولار في استراتيجيتها للديون الخاصة الموجهة نحو التحول المناخي، فيما قالت شركة «بروكفيلد» إنها ستطلق صندوقاً جديداً بحوالي مليار دولار من أموال صندوق «ألتيرّا» للتركيز حصرياً على البلدان النامية، كما سيستثمر صندوق «ألتيرّا» ملياري دولار في صندوق «بروكفيلد» العالمي الثاني للتحول.

كما هي العادة في مؤتمرات الأطراف، تقوم فرق التفاوض، وهي عديدة ومختلفة المهام، بعقد اجتماعات ماراثونية في غرف متفرقة إلى أوقات متأخرة من الليل، وتخرج بمسودات نصوص تشكل أساساً للمفاوضات، لتتم غربلتها بتقديم تنازلات متبادلة، قبل عرضها على الجلسات العامة، وعلى الاجتماعات عالية المستوى (المستوى السياسي/الوزاري) التي عادة ما تُرفع لها القضايا المستعصية للبت فيها وحسمها. ليخرج المؤتمر في آخر لحظة من أيام انعقاده، بأول مسودة اتفاق وقرارات تشكل الوثيقة الختامية للمؤتمر. ويبدو أن العمل المكثف الذي بُذل في هذه النسخة من مؤتمرات الأطراف في الأشهر التي سبقت انعقاده، سوف تسرع من هذه العملية، وإخراج مسودة نص لوثيقة ختامية للمؤتمر تتضمن الاتفاق على القضايا الكبرى الرئيسية في الأيام الأولى للمؤتمر. وهذا ما حدث بالفعل، فقد ظهرت مسودة أولى في اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 1 ديسمبر 2023)، تتضمن نصاً يفتح إمكانية الخفض التدريجي «Phase down» لجميع أنواع الوقود الأحفوري، بالتركيز خصوصاً على الفحم (وليس التخلص التدريجيPhase out، كما تضغط لوبيات المناخ الأوروبية من أجله، والتي تبدو وكأنها جاءت إلى المؤتمر بهدف واحد وحيد وهو انتزاع موقف في الوثيقة الختامية للمؤتمر ينص صراحة على التخلص نهائياً من الوقود الأحفوري لاسيما النفط والغاز).

رئاسة المؤتمر أخذت بعين الاعتبار اعتراضات بعض الدول الرئيسية في مفاوضات المناخ على استخدام عبارة «الإلغاء التدريجي»، ورجحت استخدام عبارة الخفض التدريجي بدلاً منها. مع ملاحظة المسودة بأن السياسات الحالية حققت بعض التقدم لتجنب أسوأ سيناريوهات تغير المناخ، لكنها لاحظت أيضاً «بقلق كبير أننا ما زلنا غير متوافقين مع أهداف اتفاق باريس المتمثلة في الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين والسعي لجعلها 1.5 درجة مئوية».

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nazteda8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"