النظام الدولي وتحديات عدم اليقين

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

بعد الحرب العالمية الثانية، مضى الغرب نحو تأكيد ذاته وتجربته، بوصفها التجربة الرائدة في الليبرالية والديمقراطية، مع توجّه أوروبي مستقل إلى حد كبير عن الولايات المتحدة، في تبني العدالة الاجتماعية، من خلال مؤسسات الرعاية، وقد أصبح هذا النموذج، المعتمد حقوقياً على الليبرالية، وسياسياً على الديمقراطية، سمة خاصة يجري التسويق لها بأنها البوصلة التي ينبغي اللحاق بها، واعتمادها وصفة للتنمية والازدهار، لقدرتها على المواءمة بين احتياجات متنوعة.

كان التوجّه الأمريكي/ الأوروبي يواجه ضرورة بناء نموذج جذّاب في مقابل النموذج الشيوعي، ضمن إطار الاتحاد السوفييتي، والدول التي تدور في فلكه، مستمداً قوته العالمية من قدرته على وضع يده بقوة على أهم الموارد العالمية الأساسية لتنمية الصناعات، وضمان احتكار أكبر مساحة في السوق العالمية، ومراكمة ثروات هائلة، وهو ما مكّن الولايات المتحدة وشركائها من عمل تحديثات على النسخة الإمبريالية/ الاستعمارية للقرن التاسع عشر؛ بحيث يتم الاستغناء عن النفوذ الاحتلالي المباشر بنفوذ عسكري وسياسي واقتصادي وتكنولوجي واستخباراتي، لا يتنافى ظاهرياً مع المنظومة الليبرالية.

كانت هذه الوضعية الدولية التي قسّمت العالم إلى نموذجين، ليبرالي ديمقراطي، أساسه الاقتصاد الرأسمالي، وآخر نظام اقتصادي اشتراكي، قد صنعت حالة من اليقين بدرجة كبيرة، في مستويات عديدة، بما فيها المستوى الأيديولوجي؛ إذ إن كل دولة من دول العالم، كانت مضطرة إلى تعريف ذاتها بدلالة أحد النموذجين.

شرعية الكثير من الأنظمة السياسية حول العالم، كانت مستمدة من خارج حدودها الوطنية، وبالضبط من دورانها في فلك أحد النموذجين/ القطبين، أمريكا والغرب من جهة، والاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية من جهة ثانية، وقد أقامت هذه الحالة بعض أشكال الاستقرار السياسي والاجتماعي وأحياناً التنموي، في عدد لا يستهان به من الدول، فقد سمحت للنخب السياسية الحاكمة في غير مكان من العالم، بسنّ قوانين واتخاذ إجراءات، مدعومة بقوة النموذج العالمي الذي تدور في فلكه سياسياً، ما ساعدها على تحقيق توازنات داخلية، تسهم في استمرار تلك النخب ذاتها، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من حالتي التوازن واليقين العالميتين.

حالة التوازن القطبي التي دامت لعقود (1945-1991)، كانت نتيجة طبيعية للحرب العالمية الثانية، فلولا تلك الحرب، بكل ما فيها من مآسٍ بشرية وعمرانية واقتصادية، لم يكن بالإمكان الوصول إلى اعتراف متبادل بمكانة كل نموذج ومكانته ودوره وشرعيته، فقد أعادت تلك الحرب رسم خريطة التوازنات العالمية، وحددت آليات الصراع، وأشكال التنافس، ومستوى من السلام الدولي. ومع فشل بلورة نظام دولي جديد، نظراً لأسباب كثيرة، ربما أهمها أن الحرب المباشرة بين القوى الكبرى في العالم، باتت محكومة بالردع النووي، أخذت تنمو حالة من عدم اليقين في عموم النظام الدولي.

خلال العقدين الماضيين، سنجد أن حالة عدم اليقين آخذة في التمدد، وتحوّلت إلى سمة بارزة، ليس فقط في العلاقات الدولية، فقد صعدت قوى اليمين بقوة من جديد داخل المجتمعات الغربية، لتأخذ مكانة بارزة في رسم السياسات، أو لجهة تجاهل أو دعم بلا حدود أو ضوابط قانونية وإنسانية للممارسات الاستبدادية والعنيفة التي تمارسها بعض الأنظمة السياسية، أو حتى عمليات الإبادة ضد المدنيين، كما يحدث في غزة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/42b2jwne

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"