قوة فلسطين في ضعفها

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجي صادق شراب
لا يقصد بالضعف الاستسلام والقبول بالاحتلال كأمر واقع، بل المقصود به القدرة على الفعل والتأثير والبقاء والوجود كشخصية وهوية وطنية متجذرة وثابتة على أرضها. ومعناه عدم قدرة إسرائيل بقوتها على محو الشخصية التاريخية للشعب الفلسطيني بما له من عناصر قوة ثابتة.

فالضعف هنا المقصود به فشل إسرائيل في محو القضية الفلسطينية وامتلاك الشعب الفلسطيني لعناصر القوة المؤثرة والفعل. وهنا بعض الملاحظات المهمة: الملاحظة الأولى، أن قوة فلسطين في تاريخها الممتد في المنطقة، والذي يتجسد في قوة الحقوق والسرديات الفلسطينية الثابتة، وفي الوجود الفلسطيني من قبل اليهود وغيرهم. وهذا هو العنصر الأول القوي والذي لا يمكن لأية قوة عسكرية محوه. الملاحظة الثانية، قوة الضعف الفلسطيني في ماهية القضية الفلسطينية، فهي نتاج تحالفات استعمارية صهيونية، ونتيجة ضعف عربي في مرحلة تاريخية. واليوم تتجسد في القضية كما نرى في الحرب على غزة كل مكونات النظام الدولي، فالأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي يرتبطان بقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. وتكشف هذه الحرب عن عنصر قوة تفوق القدرات العسكرية لإسرائيل وهو الصمود والبقاء على الأرض رغم كل التضحيات والدمار الذي لحق بغزة.

هذه العناصر توضح لنا أين تكمن عناصر القوة وكيف يمكن أن نحول الضعف إلى قوة لا تهزم. وهل يملك الفلسطينيون عناصر القوة الصلبة؟ وما هي عناصر قوتهم الناعمة؟

القوة لها معنيان، الصلبة والناعمة. الصلبة بما تعنيه من القوة العسكرية والاقتصادية، وهذه قد تكون غير متاحة فلسطينياً، لكن أهم عناصر القوة الصلبة تتجسد في العنصر السكاني، وفي ستة ملايين في الضفة وغزة، وأكثر من مليون في داخل إسرائيل تحت مسمى «عرب إسرائيل»، ولكنهم يحتفظون بهويتهم الوطنية، وملايين أخرى في المخيمات وفي الشتات. وهناك عنصر قوة آخر وهو المحافظة على مشكلة اللاجئين التي تلخص المشكلة الفلسطينية بالنكبة والمذابح التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية لتفريغ الأرض من سكانها لتحقيق مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وهي نفس السياسة نراها اليوم في غزة، ولكنها فشلت. فما زالت قضية اللاجئين بما تحمله من الحق في العودة قائمة. ومن عناصر القوة قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعلى عدم شرعية المستوطنات وإنهاء الاحتلال، والاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، وهي قرارات لا تسقط بالتقادم.

إن المظاهرات الشعبية التي شهدتها العديد من العواصم وأبرزها في أمريكا وأوروبا، ورفضها للحرب الإسرائيلية والمطالبة بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية دليل واضح على قوة الضعف الفلسطينية. مثل الانقسام السياسي الفلسطيني وتحوله إلى حالة من الفصل السياسي.

يقول الفيلسوف الصيني صن تزو قبل القرن السابع الميلادي في كتابه «فن الحرب»: «أسمى فنون الحرب إخضاع العدو من دون مواجهته ويقول اعرف نفسك واعرف عدوك وسوف تخرج منتصراً مئة مرة في مئة معركة».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2dyhdybm

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"