«حقوق الإنسان».. سؤال واحد وأربعة أجوبة

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.نسيم الخوري

كيف تدخل البشرية ال2024 من دون هذا السؤال الطويل:

1- من أيّ رحمٍ خرجت فكرة «حقوق الإنسان»، وإنّي خرجت معها من رحم أمّي في ال1948 بصرخةٍ مُعلناً حقّي في الحياة إلى أقمطة من الحقوق الطبيعية بالنظافة والحنان والمحبة والرضاعة والغذاء والنوم والكسوة والدفء والطبابة والنمو والتعلم والترقي، وصولاً إلى مشاركة الأمم والأنظمة في حقوق القول والكتابة التي تحسر عن وجهها منذ 76 سنة، وفي 10 ديسمبر/ كانون الأوّل من كلّ عام عبر النصوص والخطب البليغة والوعود العظيمة احتفاء بتلك الحقوق.

لهذا السؤال أربعة أجوبة:

1 - برزت حقوق الإنسان عبر خمائر استقلال أمريكا في 4 يوليو/ تمّوز 1776، الأمر الذي انتظر حتى 26 آغسطس/ آب 1789، أي 13 سنة لإعلان حقوق المواطنة في القارة الأمريكية. هبّت الرياح الديمقراطية منذ بدايات القرن التاسع عشر لترسو مع الحرب العالمية الأولى في فرنسا، وتزهو في أنظمة ديمقراطية آلت إلى ذبول تطلّعات الشعوب ويقظة متجدّدة هائلة «للديكتاتوريات» التي تفشّت في بعض أوروبا.

2 - جاءت «حقوق الإنسان» بمعناها المعاصر من أشلاء الحربين العالميتين، عندما أوكلت عصبة الأمم عام 1946 إلى لجنة خاصّة وضع صيغة إعلان عالمي ل«حقوق الإنسان»، قوامها رينيه كاسان ممثّلاً فرنسا، وإليونور روزفلت زوجة الرئيس الأمريكي فرانكلين، وبينغ شونغ شانغ ممثّلاً الصين، والكندي بيترز همفري والدكتور شارل مالك من لبنان. وأنهت اللجنة المشروع وأقرّ بباريس في 10ديسمبر/ كانون الأوّل 1948، بحضور 56 دولة، امتنعت 8 عن التصويت. كان منتظراً تفصيل المشروع بثياب كونية إنسانية، لا برغبات دولية، لأنّ الدولي جعل الأمم الديمقراطية تتمسّك بحقوق الإنسان والعلمانية كمبدأ يوحّد الدول، ويخرجها من بحور الدماء، فيصبح الحق معتقداً سياسيّاً مدنيّاً جديداً، بينما يفترض الكوني، بالمقابل، حروباً وثورات محلية ومستوردة تُخرج الشعوب من معتقداتها الدينية للإيمان بالديمقراطية. هكذا نُدرك كيف شاعت فكرة «حقوق الإنسان» من باريس إلى جنيف وفيينا ونيويورك فتتطلّع الشعوب إليها بانتظار الكلمة الحاسمة بين الدين والدنيا.

3- لاحت بذور «حقوق الناس» أساساً منذ الفلسفة اليونانيّة، إذ ناقشها أرسطو متبنيّاً العدالة والحق ووحدة الجنس البشري، ليرتفع بها أفلاطون في «مدينته الفاضلة» التي جذبت «هوبز» و«لوك» في زمن لاحق، لكنّها بقيت واقعاً مضيئاً وباهراً في الدين الذي عاصر الديمقراطيات كلّها، ونافسها واندمج فيها، وما برح قائماً فيها، وفي أسسها الفكرية. وهنا أستعيد جملة لجان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي»: «ليس هناك من دولة قامت في التاريخ ولم يكن حجر الدين في أساسها». وإذا كانت الآلهة قد أخرجت من المعابد في الدول الإمبراطورية العظمى لتصبح دنيوية، فإنّ الأوطان والملكيّات والإنسان راحوا يدخلون إليها في الشرق والجنوب في عودةٍ إلى الأديان. وهنا بضعة أسئلة بل قرائن:

4 - ألم يصف البابا بيوس السادس المواد ال17 لحقوق الإنسان بأنّها تهجّم على الدين والمجتمع؟ وألم يتصوّر البابا بيوس التاسع أنّ البشرية تزحف نحو ركامها وهي تخطب شعار حقوق الإنسان؟ ألم يقل البابا بيوس العاشر إن جحوداً أبدياً سيبقى قائماً بين الكنيسة و«حقوق الإنسان»؟ وفي المقابل، ألم يقل البابا يوحنا بولس الثاني في الأمم المتّحدة في ال2008، إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو القيمة الجوهرية التي تحكم ضمير أعضائها ليبقوا متمسكين بعدم إهمال الحقائق والمبادئ التي تختزنها هذه الوثيقة، فلا يتناسون روح لحظة ولادتها الأليمة، وإلاّ فإن نهايات المؤسسة التي تجمع الأمم أي المشترك المفترض بين البشر، قد تأخذ طريقها مجدداً نحو الركام؟

للمسيحية فضائل كبرى، لكنها لم تضع حقوق الناس فوق واجباتهم نحو الخالق كحقائق مطلقة. نعم وردت كلمة الإخاء في العهد القديم، وآدم ونوح في الجديد، وورد الإيمان والرأفة بالفقراء والمساكين والبؤساء وعمل الخير، لكنها بقيت مصطلحات عصيّة على التطبيق. لقد استهلكت كلمة «حقوق الإنسان»، ختاماً، 17 قرناً كي ترتسم ملامحها، لكنها أخفقت وهي في تعثّر دائم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p95ks5u

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"