«السلام» على جمر الحرب

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

السلام، اتفاق تفرضه مساحة من الثقة، ورغبة في وضع حدّ للنزاعات والعيش الآمن، بما يضمن الاستقرار لكل أطراف الاتفاق، والتفرغ للتنمية، بل والوصول بالعلاقات إلى مراحل التعاون بأشكاله المختلفة، أملاً في بلوغ الازدهار، بما يعود بالنفع على الأطراف المسالمة. والسلام الدائم والعادل والشامل مع إسرائيل مطلب عربي، عبّر عنه الزعماء والساسة في مناسبات ومحافل مختلفة، كانت خطوته الأولى في اتفاقية كامب ديفيد، ثم في مؤتمر مدريد 1991، ثم اتفاقيتي أوسلو 1993 و1995، وصولاً إلى مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002، وتم إقرارها بالإجماع، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، وإقامة السلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967.

وفي المقابل، رفضت إسرائيل كل مبادرات السلام، وأجهضت كل الجهود التي بذلت لتحقيقه. وما زالت إسرائيل ترفض أية تسوية على أساس حلّ الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب معها، وهي بدلاً من ذلك تستولي على الأرض، وتزرع المستوطنات، وتهجر الفلسطينيين، وتعمل على تهويد ما تبقّى من أرض فلسطين، وتنتهك حرمة المساجد والكنائس، وتحرّض المستوطنين على استباحة المدن والقرى الفلسطينية، فيما قواتها تمارس الإبادة في قطاع غزة، وتعربد في الضفة الغربية.

في حربها على قطاع غزة تقول إسرائيل إن هدفها القضاء على «حماس»، ولكن المتابع لمشاهد القتل والتدمير اليومية يدرك أن هدفها هو غزة، بل وما بعد غزة، أي القتل، والإبادة، والتهجير القسري، والتجويع، والاعتداء على ما تحرّم القوانين الدولية، والشرائع الدينية الاعتداء عليه. وعندما يطل بنيامين نتنياهو متباهياً بدوره في رفض إقامة دولة فلسطين، ومؤكداً فخره بعرقلتها، فإنه بذلك يستفز الفلسطينيين، ويعترف بخداعه للعرب، وللعالم.

كلام نتنياهو يهز الثقة بإسرائيل، ويُعد بمثابة ضربة قاصمة لكل جهود إحلال السلام، وما يزيد الطين بلّة، موجة الانتقادات الاسرائيلية لاتفاقيات السلام، وتصريحات الندم التي أبداها مسؤولون وإعلاميون إسرائيليون على نهج السلام، والغضب الذي تبديه قطاعات شعبية إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس على الفلسطينيين فقط، ولكن على مختلف دول الجوار التي تبذل جهوداً لحماية السلام، وإطفاء حريق غزة الذي يهدد بالتهام الأخضر واليابس في المنطقة.

السلام يتقلب على جمر الحرب، وجدار الثقة بين العرب وإسرائيل تزلزل بسبب ما تفعله إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، ومساعي التهجير إلى سيناء والأردن كشفت عدم احترام إسرائيل لاتفاقيتي كامب ديفيد، ووادي عربة، والتهديدات المتتالية بحروب مقبلة في المنطقة تنسف كل ما له علاقة بالسلام. إن ما تقوم به إسرائيل يقتل الأمل بالسلام، ويضيّع جهوداً شاركت فيها دول مختلفة حول العالم لاستقرار المنطقة، والتفرغ للتنمية. السلام لا يتحقق بقرار من طرف يريد السلام، وآخر لا يرى وجوده إلا بالحرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3fuw9frt

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"