اللغة العربية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

موقف مازلت أذكره، منذ آخر معرض كتاب في الشارقة، كنت أقف في دار للأطفال أقرأ بعض الكتب لأختار شيئاً جديداً لابنة أخي، لتوثيق علاقتها بالكتاب، ومرت أسرة من أم وجدة وأطفال صغار، كانت الأم والجدة تشجعانهم على اقتناء الكتب بدلاً من الألعاب لأهميتها، فابتسمت فرحاً،  ثم تلاشت الابتسامة حين قالت إحداهما: والأفضل كتب بالإنجليزية فهي أهم!
هذا المنطق الطاغي على كل الأسر من حولنا وفي دواخل بيوتنا، أن الإنجليزية أهم في التعليم، وأن يكون الطفل متمكّناً فيها أهم من باقي الأشياء، فكان هذا حافزاً لكثير من المدارس الأجنبية التي عرفت نقطة التحول هذه بأن ترفع الأسعار أولاً، وتثبت للآباء بطلاقة الأبناء أنهم حققوا هدفهم في التعليم، وأن مستقبلهم باهر فضاع في المقابل حتى الفهم والتقييم الصحيح لمستوى الطفل المتعلم أو المراهق وخريج الثانوية في العلوم، والآداب، والدين، فصارت المقاييس ضعيفة والمخرجات أضعف.
إن الاحتفالات التي شهدناها في الأسبوعين الماضيين بيوم العربية وترسيخ أهمية مكانتها من أصحاب السموّ والشيوخ وقادتنا دليل كبير على أن الهوية الوطنية هي اللغة والدين. وجائزة البردة احتفت بذلك عبر وزارة الثقافة والشباب، في إرساء لركيزة مهمة تعلمتها الأجيال الأولى: العربية هي الأساس وهي اللغة التي إن ضاعت صعب اكتسابها في الكبر، في حين أن كل لغات العالم يستطيع المرء تعلّمها حتى في الكبر؛ لكن كم استصعب الغرب ومن يقيم على أرضنا تعلم لغتنا؟
الإنجليزية تكتسب، ويتعلمها المرء لاحقاً، ويدرك فيها الكثير دونما تأخّر، فلماذا انسلخت في الأسر أهمية اللغة؟ ولماذا الحديث مع الأطفال في كل مكان بالإنجليزية؟ لماذا يعتقد بعضهم أن انطلاق أبنائه بالعربية رمز لرجعية، أو تخلف تلك الأسرة؟ لماذا نشعر ونشعر أبناءنا بالنقص؟ لماذا أصبحت الموازين معكوسة؟ في تجربتي الدولية في كل المحافل، لم أجد الآخرين إلّا معتزين بلغاتهم، صحيح أن بعض المواقف السياسية قد تضطرك لأن تتحدث الإنجليزية وإن توافرت الترجمة، خوفاً من بعض التغييرات التي قد تطرأ وتغير حيثيات خطرة، لكن يجب أن يكون الغالب في القالب الانتماء إلى اللغة، هو الاعتزاز بجماليات لا نجدها إلّا في لغتنا، في لغة القرآن المعجزة، في اللغة الشعرية الآسرة، في المفردات التي تنعم بغنج وترف، بسطور تخفف عنك في موسيقاها الضغوط، في ثراء الكلمات والمفردات، في تفرد في الوصف والاقتباس والتغيير، في سحر الأفواه الناطقة بها، وبطاقة عالية تشعر بها في الحروف العربية، نطقاً أو كتابةً أو حتى تأملاً. لنعتزّ من دواخلنا بلغتنا، ولندرك خطورة ضياع أجيال لا تتقن لغة عظمى، حتى إذا ضعف الجيل فيها ضعفت قيم تليها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mrxzxxpc

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"