واقعية نتائج «كوب-28»

21:58 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

التسخين الذي قام به لوبي المناخ الأوروبي الموازي (منظمات ال NGOs المضبوطة على أجندة الاتحاد الأوروبي)، قبل وعشية انعقاد مؤتمر الأطراف في نسخته ال28 التي استضافتها دبي بدولة الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2023، أنبأ على نحو واضح بما كان يَعُد له الاتحاد الأوروبي من أجندة خاصة للمؤتمر، حجر زاويتها الفوز بنص واضح في البيان الختامي للمؤتمر يسلم بالتخلص من الوقود الأحفوري، الذي يشكل عنصراه الأساسيان، النفط والغاز، موتور الحركة الاقتصادية في بلدان المنطقة التي تستضيف المؤتمر، رامياً بعرض الحائط بكل ما قد يترتب على هذا القرار الطائش والأناني من تداعيات خطِرة على بلدان وشعوب أمم بأكملها وعلى الاقتصاد العالمي قاطبة.

دولة الإمارات، ليست أول دولة نفطية عضو في اتفاقيات المناخ، تستضيف مؤتمر الأطراف. فقد سبقتها إلى ذلك كل من كندا التي استضافت النسخة الحادية عشرة (COP-11)، وإندونيسيا/بالي التي استضافت كوب-13، والمكسيك التي استضافت كوب-16، وقطر التي استضافت كوب-18، وبريطانيا/جلاسجو التي استضافت كوب-26، ومصر التي استضافت كوب-27. لكن كان من الواضح أن هناك جهات معروفة عملت على محاولة تقويض هذه النسخة المعروف سلفاً بأنها ستكون مميزة وستُحرج الأطراف الأوروبية في أكثر من ملف، لاسيما الإدارة الرئاسية الفعالة المتوقعة للمؤتمر (بحسبان التميز الأعلى التي تضعه الإمارات عادة كمعيار لنجاحها في كافة مناحي الحياة الاقتصادية)، وملف التمويل الذي يكره الأوروبيون مقاربته. وهذا ما حدث بالضبط، حيث تميز المؤتمر برئاسة تليق بدولة الإمارات وبرجل عرفته عن قرب، كشخصية عربية متقدة الحماس لمشروع تحويل الطاقة في بلاده والمنطقة، وذلك برسم العديد من المشاريع والمبادرات التي تصدى لها ونجح في إنجازها، أتذكر منها كمثال نجاحه في فوز الإمارات بشرف استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إرينا» (IRENA)، ومدينة مصدر للطاقات المتجددة.

أنهى المؤتمر أعماله صبيحة يوم الأربعاء 13 ديسمبر 2023، بفارق يوم واحد على موعده (كما جرت العادة في كل المؤتمرات تقريباً) وذلك بسبب البحث عن صيغة توافقية حتى اللحظة الأخيرة، حول الوقود الأحفوري في الوثيقة الختامية للمؤتمر. فقد أعلن رئيس المؤتمر الدكتور سلطان الجابر توصل 197 دولة إلى «اتفاق الإمارات» للعمل المناخي الدولي، في صفقة هي الأكثر عملية والأكثر طموحاً للسير على طريق تحويل الطاقة العالمي، بما يشمل ذلك، ولأول مرة، التحول بعيداً عن كل أنواع الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، وليس الفحم فقط (وإنما يشمل النفط والغاز هذه المرة)، بما يعد قفزة مهمة بالنسبة لهدف «التقييم العالمي» (Global stocktake). الاتفاق على النص الخاص بهذه القضية، هو الذي استغرق وقتاً طويلاً من المفاوضات الشاقة بين أطراف التفاوض. الأمر (التقييم العالمي) يتعلق بتنفيذ هدف ما ورد في نص المادة 14 من اتفاق باريس للمناخ، وهو فحص درجة الحرارة كل خمس سنوات، بما يعني مراقبة وتقييم ومراجعة التقدم الجماعي بشكل دوري نحو تحقيق الهدف طويل المدى بشأن درجة الحرارة الوارد في المادة الثانية من اتفاق باريس. لكن هذا مربوط تنفيذه بتحقيق مستلزمات إجراءات التخفيف والتكيف والتمويل المناخي ونقل التكنولوجيا من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وذلك تحقيقاً لما تسمى «العدالة المناخية».

إذن النقطة الجوهرية في الاتفاق هي الإشارة للمرة الأولى إلى الانتقال لمنظومة طاقة خالية من مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، لتمكين العالم من تحقيق الحياد المناخي (صافي صفر انبعاثات) بحلول عام 2050، ورفع قدرة الطاقة المتجددة عالمياً إلى ثلاثة أمثالها ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول 2030. هذا بالتأكيد ما يجعل من اتفاق الإمارات تاريخياً، إنما تاريخيته لم تقتصر على إدراج النفط والغاز لأول مرة، بصورة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول المنتجة للنفط والغاز والفحم، ضمن استهدافات التخفيف (Mitigation)، وإنما تشمل التمويل الذي نجحت الإمارات في إعادة الاعتبار له وتصديره ضمن أولويات العمل المناخي، سواء بالإعلان عن إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في اليوم الأول من المؤتمر، أو من خلال حزم التعهدات التمويلية التي وصلت إلى نحو 85 مليار دولار، منها 30 ملياراً أعلنت الإمارات عن تخصيصها لإنشاء صندوق مخصص للحلول المناخية على مستوى العالم. في السياق طرح المراقبون سؤالاً جوهرياً على ممثلي المنظمات الشعبوية المكرّسة كل جهودها وفعالياتها تقريباً ضد الوقود الأحفوري: لماذا لم يتوجه ضغط منظمات ال NGOs المدعومة والممولة من الاتحاد الأوروبي بصفتها ذراعاً مساندة لسياساته الاقتصادية/المناخية، إلى موضوعي التمويل والتكيف؟

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ms4cu4j9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"