اتفاق خفض انبعاثات الطيران

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*
خرج المؤتمر الثالث للطيران والوقود البديل الذي عقدته منظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) في دبي خلال الفترة من 20 إلى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 (قبل 10 أيام من انعقاد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين «COP-28» في دبي أيضاً) باتفاق وافق عليه أكثر من 100 دولة من إجمالي عدد الدول الأعضاء في المنظمة البالغ 193، قضى بخفض انبعاثات وقود الطيران الكربونية بنسبة 5% بحلول عام 2030.

تبدو مساهمة قطاع الطيران العالمي في إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، ضئيلة للغاية، فهي لا تتجاوز 2-3%، لذلك فإن قرار مساهمة قطاع الطيران العالمي في نسبة خفض الانبعاثات العالمية جاء هو الآخر متواضعاً (5% من نسبة مساهمته في الانبعاثات البالغة 2-3%). المشكلة أن تخفيض انبعاثات وقود الطائرات (Jet fuel)، حتى بالنسبة الضئيلة التي جرى الاتفاق عليها (5%)، دون تكاليف إضافية مرهقة لشركات الطيران. فهذا الخفض يعني الاستعاضة عن وقودها التقليدي بما يسمى وقود الطيران المستدام (Sustainable aviation fuel- SAF)؛ وهو وقود يُستخلَص من المواد الأولية المتجددة غير النفطية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، نفايات الأطعمة والنفايات الصلبة، والكتلة الحيوية الخشبية، والدهون/ الشحوم/ الزيوت، والمواد الأولية الأخرى. ولأن هذا الوقود نادر ومكلف فهو يشكل حتى الآن أقل من 1% من إجمالي وقود الطائرات الذي تستخدمه شركات الطيران العالمية.

لذلك فإن الاتفاق على نسبة الخفض المذكورة استغرق بعض الوقت، بما في ذلك الجدل حول صياغة نص القرار، لا سيما فيما خص نقل التكنولوجيا التي طالبت البلدان الإفريقية وغيرها من بلدان الاقتصادات الناشئة الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) بتمكينها من الوصول لتكنولوجيا إنتاج وقود الطيران المستدام (SAF) وزيادة طاقتها الإنتاجية من هذا الوقود.

بعض الدول سجلت تحفظاتها على قرار المنظمة على الرغم من أنه غير إلزامي. الصين مثلاً، التي وضعت لها هدف تحقيق حياد الكربون عام 2060، اعتبرت أن هذا الهدف من شأنه أن «يزيد بشكل كبير» تكاليف تشغيل شركات الطيران، وسيُميز ضد الدول النامية من خلال تشكيل تهديد للطاقة ولأمنها الغذائي. كما سجّلت كل من المملكة العربية السعودية والعراق اعتراضهما على الهدف المبتغى من القرار والموعد المضروب لتحقيقه.

وقد كان للوبيات المناخ والبيئة أيضاً موقفها الاحتجاجي على القرار، من جهة عدم إلزاميته، أو جهة افتقاره للقوة، وهو ما سيسمح لشركات الطيران باستخدام الوقود الأحفوري المنخفض الكربون. واعتبرت هذه الأوساط أن منظمة الطيران المدني الدولي ليس لديها تفويض لتطبيق هذا الهدف، لذلك من المرجح أن ينتهي الأمر إلى لا شيء. فمن غير الواضح، كما تقول، مقدار ونوع الوقود الذي يجب إنتاجه للوصول إلى هدف ال5% على مستوى العالم.

وتقدر صناعة الطيران أن الأمر سيتطلب استثمار ما بين 1.45 تريليون دولار و3.2 تريليون دولار لتطوير وقود الطيران المستدام لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية للقطاع. لذلك فإنه من دون تمكين الدول النامية من الحصول على التمويل اللازم للانخراط في هذه العملية المكلفة والمعقدة، فإن مسألة تطبيق القرار، حتى في حدوده الدنيا التي جرى الاتفاق عليها من قبل غالبية (وليس جميع) الدول الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولي ستقتصر على الدول المتقدمة التي تحوز امتيازي الوصول إلى التمويل والوصول إلى تكنولوجيا تصنيع وقود الطيران المستدام. وما لم يتم إخراج نوع «البزنس» الذي سينشأ بفضل هذا الاتفاق، عن صيغة التسليع التجاري البحت، التقليدية، وتحقيق نوع من التوازن فيها بين الربح والفائدة العامة المتمثلة في تحقيق هدف كبح انبعاثات الكربون لتأمين سلامة الكوكب من الاحترار، فإن النتيجة النهائية المتوقع تحقيقها بحلول عام 2030 ستكون متواضعة على الأرجح. علماً بأن اتفاق باريس لتغير المناخ لا يغطي قطاع الطيران بشكل مباشر، لكن قطاع النقل الجوي كان قد تعهد بمواءمة نفسه مع الأهداف العالمية من خلال تحديد هدف «طموح» يتمثل في صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

المهم في قرار قطاع النقل الجوي هو أن الجهود الدولية لخفض الانبعاثات الكربونية باعتبارها «أضراراً جانبية» للنشاط البشري لم تعد توفر أي قطاع اقتصادي وإنتاجي، وإن زخم هذه «الملاحقة» العالمية للانبعاثات لم يفتر مع مرور الوقت، وإنما على العكس، نلحظ تزايداً متعاظماً لانضمام المزيد من قطاعات وأنشطة ورواد الأعمال إلى هذه الجهود، بغض النظر عن تفاوت جديتها ومزايدات بعضها الآخر.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bddbxfxw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"