مارلين سلوم
لم تفقد السينما يوماً سحرها وعمق تأثيرها في الجمهور، لكنها تمر بمراحل صعود وهبوط، تتعثر أحياناً وتتراجع، كما تفاجئنا أحياناً أخرى بزخم من الإنتاج السينمائي الضخم ومواسم غنية بأعمال شديدة التميز سواء من حيث المضمون أو الإنتاج أو الإخراج وبلا شك من حيث التمثيل أيضاً.. لم تعد هوليوود على العرش وحدها وليست دون غيرها التي أبهرت الجمهور خلال 2023 بأفلام مهمة وتعتبر علامات في أرشيف السينما العالمية، بل دخلت على خط المنافسة وبقوة هذا العام السينما الآسيوية وخصوصاً اليابان، مع مواصلة بوليوود السير في خطها المعتاد، أما السينما العربية فسجلت نجاحات على صعيد أفلام المهرجانات مثل الفيلم السوداني «وداعاً جوليا» الذي ما زال يحصد الجوائز من مهرجانات عالمية وسيمثل بلده السودان في الدورة 96 المقبلة من جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم دولي طويل، كما شهدت السينما المصرية طفرة في الإنتاج والعروض، فكيف كان حصاد السينما في 2023؟
إذا أردت أن تقيس نجاح السينما من حيث كم الأفلام التي عرضت خلال عام 2023 ومن حيث الإيرادات التي سجلتها في شباك التذاكر، فيمكنك القول إن السينما العربية شهدت هذا العام انتعاشة من الناحيتين، حيث أنتجت السينما المصرية مثلاً نحو 43 فيلماً وحقق معظمها إيرادات عالية في شباك التذاكر، خصوصاً خلال مواسم الأعياد والإجازات، فاستعادت الصالات السينمائية حيويتها ونشاطها الذي افتقدته في السنوات الماضية، أولاً بسبب جائحة كورونا ومن بعدها لم تستعد عافيتها بشكل كامل وبقي الإنتاج ضعيفاً من حيث الكم، بينما تراوح النوع بين الجيد (وهو قليل) والسيئ.
إذاً الانتعاشة التي عرفتها السينما المصرية طغى فيها الكم على النوع، فمن ال 43 فيلماً لا يتجاوز عدد الأعمال المميزة والناجحة أصابع اليد الواحدة، في حين تدفقت العروض الكوميدية والأعمال السطحية والتي لم يكتب لها أن تعيش في الصالات سوى لأيام وأسابيع قليلة.. واللافت هذا العام أن السينما بمجملها اتجهت نحو القصص الاجتماعية سواء كانت بنكهات كوميدية أو تراجيدية، وابتعدت عن الأكشن الذي كان سيد العروض في السنوات السابقة.
تقول الأرقام إن الأفلام حققت خلال 2023 إيرادات بنحو 785 مليون جنيه مصري، وإن السينما المصرية لم تشهد منذ عشرة أعوام إنتاجاً سينمائياً بهذا الكم (43 فيلماً)، لكن هذه الانتعاشة لم تقابلها الانتعاشة نفسها في الكتابة والنصوص، فطغى الغث على السمين من حيث الكم، بينما أكدت أرقام الإيرادات التي حققها كل فيلم أن الجمهور يختار ما يناسبه ولا يهلل لكل عمل كوميدي تعرضه الصالات وإن تضمن أسماء نجوم كوميديا يحبهم.
لن نسرد قائمة الأفلام كلها التي عرضت خلال 2023، لكننا نكتفي ببعض أو ما تميز منها، مثل «فوي فوي فوي» تأليف وإخراج عمر هلال، بطولة محمد فراج ونيللي كريم وبيومي فؤاد وطه دسوقي وأمجد الحجار وحنان يوسف.. فيلم مختلف، لم ينجح عربياً فقط بل تم اختياره ليمثل مصر في الدورة السادسة والتسعين المقبلة للأوسكار، واختلاف «فوي فوي فوي» يكمن في القصة نفسها والذكاء في معالجتها، وهي كوميدية تبعث فيك الضحك والبهجة وفي الوقت نفسه تعالج قضية اجتماعية.
من الأعمال المميزة أيضاً، «بيت الروبي» قصة وسيناريو وحوار محمد الدباح وريم القماش وإخراج بيتر ميمي، بطولة كريم عبدالعزيز، نور اللبنانية، كريم محمود عبدالعزيز، تارا عماد، سمر جابر مع مجموعة من ضيوف الشرف، كوميديا اجتماعية لا تهريج فيها ولا استخفاف، قصة معاصرة جداً، واقعية إلى حد بعيد وقدمت ثنائياً رائعاً شكله الكريمان (كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز)، مع تألق سينمائي لبيتر ميمي.
الفيلم الثالث «وش في وش» تأليف وإخراج وليد الحلفاوي بطولة أمينة خليل ومحمد ممدوح وأحمد خالد صالح ومحمد شاهين.. في هذا الفيلم الإخراج بطل، والقصة بطلة، وكل الممثلين أبطال، فقد قدم وليد الجلفاوي عملاً شديد التميز، جسد فيه كل معاني السهل الممتنع لدرجة أنك لن تتردد أبداً في إعادة مشاهدة هذا الفيلم مراراً وفي أي وقت.
من ناحية أخرى شهدت السينما صعود عدد من الفنانين ودخولهم لأول مرة قائمة نجوم شباك التذاكر، منهم من نجح وحققت أفلامه إيرادات عالية، ومنهم من تعثر وفشل.. من نجوم الشباك هذا العام كان أحمد داود الذي حقق فيلمه «يوم 13» نجاحاً جيداً في أول بطولة سينمائية مطلقة له، ويعد أول أول فيلم عربي رعب يتم تصويره وعرضه بتقنية الأبعاد الثلاثية، شاركته دينا الشربيني، شريف منير، جومانا مراد، محمد ثروت، نسرين أمين، نهى عابدين، أروى جودة، أحمد زاهر، محمود عبد المغني، وغيرهم.. تأليف وإخراج وائل عبدالله.
أكرم حسني أيضاً وضع قدمه في عالم نجوم شباك السينما، بعدما حقق فيلمه الجديد «العميل صفر» الذى يخوض به أولى بطولاته المطلقة في عالم السينما، إيرادات تخطت 42 مليون جنيه في موسم صيف 2023، وذلك في أول مرة يدخل فيها أكرم المنافسات على شباك التذاكر للمرة الأولى بعد تحقيقه نجاحات عدة في الدراما والسينما.
محمد ممدوح (وش في وش)، محمد فراج (فوي فوي فوي)، أكرم حسني «العميل صفر»، أحمد حاتم «حسن المصري».. ولا ننس تنافس النجوم خلال هذا العام في أفلام متنوعة، أمير كرارة، تامر حسني، محمد هنيدي، محمد رمضان، آسر ياسين، محمد إمام وغيرهم..
السينما العالمية أيضاً عرفت علامات مميزة، أعمال تجاوزت حدود الفيلم العادي ويمكن اعتبارها ملحمة، منها فيلمان بقيادة اثنان من أهم مبدعي الإخراج في السينما العالمية، مارتن سكورسيزي وكريستوفر نولان، «قتلة زهرة القمر» ملحمة تجاوزت الثلاث ساعات ونصف الساعة تقريباً، نبش فيه سكورسيزي حقائق من التاريخ ليقدم لنا قبيلة «أوساج» من الهنود الحمر التي نهبها «الرجل الأمريكي الأبيض» واستولى على أملاكها ومن هنا صار الرجل الأبيض هو السيد في أمريكا. ملحمة التقى فيها سكورسيزي للمرة العاشرة مع النجم روبرت دي نيرو والمرة السادسة مع ليوناردو دي كابريو. أما الملحمة الثانية فهي «أوبنهايمر» للمخرج كريستوفر نولان وبطولة كيليان ميرفي وروبرت داوني جونيور وإيميلي بلانت ومات ديمون وفلورانس بيو، قصة الفيزيائي الأمريكي «أوبنهايمر» الذي أنتج القنبلة الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على اليابان، وكانت النهاية الدموية للحرب العالمية الثانية.
لم يتوقع أحد أن يقلب الموازين تجسيد الدمية باربي في فيلم من بطولة ممثلين لا كرتون ولا رسوم متحركة، وأن يحقق فيلم «باربي» أرقاماً قياسية جعله منافساً شرساً لأقوى الأفلام مثل «أوبنهايمر» في شباك التذاكر، لدرجة انتشار «ترند» أطلقه الجمهور على ما أسموه ظاهرة «باربنهايمر»، وقد حقق «باربي» ملياراً ونصف مليار دولار في شباك التذاكر العالمي، من إخراج غريتا غيروغ التي شاركت في تأليفه مع نواه بومباك، وبطولة مارغوت روبي ورايان غوسلينغ.
عودة نجوم
عرفت السينما في 2023 عودة أبطال أحبهم الجمهور لسنوات منهم توم كروز في «مهمة مستحيلة» وكيانو ريفز في «جون ويك: الفصل الرابع». وقدمت استديوهات «وارنر براذرز» اثنين من أكثر أفلام العام إبهاراً وجماهيرية، فبعد النجاح الكبير لفيلم «باربي» اختتمت العام بالفيلم الموسيقي «ونكا» من إخراج بول كينغ وبطولة تيموثي شالاميت وهيو غرانت وأوليفيا كولمان حول ماضي الشخصية الخيالية ويلي ونكا صانع الحلوى الشهير من رواية «تشارلي ومصنع الشوكولاتة» لرولد دال.
