غزة والقانون الدولي الإنساني المعطل

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجى صادق شراب
ليست غزة، بل فلسطين كلها من تجسد غياب القانون الدولي الإنساني القسري، وتعطيل الشرعية الدولية بقوة السلاح. لكن في قلبها اليوم غزة بحروبها الست الكبيرة، وحربها اليوم الأقرب إلى الإبادة البشرية الشاملة، والتي يقترب ضحاياها من المئة ألف قتيل وجريح، وتدمير أكثر من ستين في المئة من منازلها التي تؤوي مليونين ونصف المليون نسمة على مساحة لا تزيد على 365 كيلو متراً مربعاً بعمق يتراوح ما بين ستة كيلو مترات و12 كيلو متراً مربعاً بطول نحو 40 كيلو متراً، وهو ما يفسر لنا ضخامة التدمير وجسامة الضحايا الذي انتزعت منه كل معاني الإنسانية.

وكما يقول المحامي الفرنسي وليام بوردون في مقالة بصحيفة «ليبيراسيون»، إن عملية تجريد ضحايا جرائم الحروب ضد الإنسانية من إنسانيتهم وصلت إلى ذروتها بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد عقود من الحروب الطويلة. والأصل أن القانون الدولي الإنساني قد تأسس ووضع، بهدف إرساء السلام بدلاً من الحرب، بمواجهة جرائم الحرب وقادتها. لكن تنفيذه ارتبط بإرادة الدول الكبرى ودول القوة كالولايات المتحدة والصين وروسيا.

وكما نرى اليوم فإن إسرائيل تتذرع بحجة «حقها في الدفاع عن النفس»، وتتناسى أنها دولة احتلال، وبذلك فإن مقاومتها حق يكفله القانون الدولي. والسبب الرئيس كما يقول المحامي الفرنسي «استهتار جنون الطغاة والزعماء وقادة الحرب الذين لا ينظرون إلا لأنفسهم وداسوا على الاتفاقات التي وقعوا عليها، والصورة الواقعية نراها في غزة وكيف يدوس جنود الاحتلال على جثث الأطفال». كما أن نتنياهو يعتبر قيام المحكمة الجنائية بأي تحقيق يعد معاد للسامية.

وعلى الرغم من العدد الكبير من الضحايا والذين تجاوز عددهم العشرين ألفاً معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من ستين ألف جريح فإن إسرائيل تضع جانباً القانون الدولي الإنساني بذريعة الحرب على الإرهاب. وهو نفس المنطق الذي تتبعه إدارة الرئيس بايدن في تبنيها ودعمها المطلق لإسرائيل، واستخدامها الفيتو لأكثر من مرة في مجلس الأمن ضد وقف الحرب، بحجة القضاء على إرهاب حماس. هذا القرار غير المبرر شجع إسرائيل على الإفراط في حرب الإبادة الشاملة. فليسقط القانون الدولي الإنساني، ولتسقط معه مصداقية المحكمة الجنائية الدولية التي قد تستغرق سنوات للتحقيق في الجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال والكراهية والحقد العنصري والديني. ولذلك نرى وزير الحرب الإسرائيلي يشبه الشعب الفلسطيني في غزة بالحيوانات التي مصيرها القتل، وقبله وزير التراث الذي دعا إلى إلقاء قنبلة نووية.

في غزة تقتل الكرامة الإنسانية في عالم تحكمه القوة، ولا تحكمه القوانين الدولية الإنسانية ولا الاتفاقات الدولية، ولا الأمم المتحدة، وتقتل معها أيضاً كل القيم الديموقراطية التي تتغنى بها الولايات المتحدة وأوروبا التي تمارس أسوأ ازدواجية المعايير السياسية. غزة تقدم اليوم النموذج الصارخ لغياب العدالة الدولية وكل قرارات القانون الدولية الإنساني. وتسقط معها كل إمكانية للتعايش والسلام والحوار الإنساني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3xhvfp4n

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"