نقاط الاختناق في الاقتصاد العالمي

22:08 مساء
قراءة 3 دقائق

أليسيا غارسيا هيرو*
كان عام 2023 صعباً للغاية من منظور الغرب الاقتصادي، شددت خلاله البنوك المركزية الكبرى سياساتها النقدية بشكل أكبر بكثير مما كان متوقعاً في السابق، وسط تضخم عنيد تفشى في أرجاء معظم القطاعات.

ولكن من المثير للاهتمام أن تأثير هذه السياسة المتشددة في النمو كان ضعيفاً، مع تجنب كل من الولايات المتحدة خصوصاً، ومنطقة اليورو بشكل عام، الركود الذي توقعه كثيرون قبل أشهر.

وباستثناء الصين، التي كان نموها أقل من الآخرين، وأنهت العام بانكماش في أسعار المستهلك على عكس التوقعات المشرقة للغاية بعد خروج البلاد من جائحة كورونا، تميزت معظم الاقتصادات الآسيوية، وعلى رأسها الهند واليابان، بأدائها الإيجابي للغاية.

وهناك تباين لافت آخر في الاقتصاد العالمي منوطٌ بالتضخم. فبينما عانى الغرب تضخماً مرتفعاً في 2023، ظلت المعدلات في آسيا تحت السيطرة بشكل أكبر بكثير.

وبعيداً عن التطورات قصيرة المدى، كان عام 2023 عاماً بالغ الأهمية، من حيث زيادة التفتت في الاقتصاد العالمي. فقد خفضت الولايات المتحدة وارداتها من الصين بشكل كبير، وتباطأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، بل وتقلصت بشكل حاد في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت. وقد سمح هذا، جنباً إلى جنب مع ضوابط رأس المال، لبنك الشعب الصيني بمتابعة احتياجاته الخاصة في ما يتعلق بدورة سياسته النقدية، مع تخفيضات صغيرة في أسعار الفائدة، بدلاً من زيادتها، كما هو الحال مع بقية العالم.

في غضون ذلك، من الممكن أيضاً أن تؤدي بيئة التضخم شديدة الاختلاف إلى زيادة خطر التفتت الاقتصادي بدلاً من التماسك، وذلك مع اكتساب الصين القدرة التنافسية، سواء من حيث أسعار الفائدة أو سعر الصرف الضعيف أيضاً.

لكن في العام الجديد، من المرجح أن يكون السيناريو مختلفاً تماماً، حيث إجراءات مكافحة التضخم في الغرب موجودة منذ بضعة أشهر، ومن المؤكد أنها ستبقى حتى تتمكن كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من تحقيق أهدافهما الخاصة بالتضخم بحلول نهاية عام 2023.

وهذا يعني أن على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي أن يتمتعا بالحيز اللازم لخفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة، ربما 150 نقطة أساس للربع الأول، و125 نقطة أساس للربع الثاني.

ومن المفترض أن يساعد خفض كُلف التمويل على تجنب الهبوط الحاد، وكذلك استعادة القوة الشرائية للأسر، التي من المفترض أن تشهد ارتفاع دخلها الحقيقي المتاح مع انخفاض التضخم.

وفي السياق ذاته، من المتوقع أن يستمر الاقتصاد الصيني في التباطؤ من معدل نمو بلغ نحو 5.2% في عام 2003 إلى 4.5% العام المقبل، وذلك بفضل الدعم المالي والنقدي المحدود. في المقابل، ستواصل الهند التألق بمعدل نمو يبلغ 7% في عام 2024، وهو عام انتخابي مهم بالنسبة للبلاد. وهذا يعني أن إعادة تنظيم سلسلة التوريد الأمريكية بعيداً عن الصين، وتوجيهها صوب بلدان أخرى ذات نمو مرتفع، وخاصة الهند، سيستمر بكل تأكيد.

ومع ذلك فإن استعادة الصين لقدرتها التنافسية من خلال الانكماش وانخفاض قيمة اليوان، جنباً إلى جنب مع السياسة الصناعية المتقدمة والابتكار الفعال، لا بد أن تكون إيجابية من حيث ارتقاء السلم والتحول إلى قوة صناعية قوية للغاية. وهذا في حد ذاته قد يخلق موجات إضافية من التفتت التجاري بالتوازي مع ردود فعل البلدان تجاه تدفق المنتجات الصينية، وخصوصاً وسط تدابير الحماية المفروضة.

في المجمل، سيكون عام 2024 هو الزمن الذي ستبدأ فيه أسعار الفائدة الرئيسية للبنوك المركزية في الانخفاض بفضل تراجع معدلات التضخم. ولا بد أن تؤدي المكاسب في الدخل الحقيقي، بين عوامل أخرى، إلى هبوط ناعم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، في حين تستمر الصين في التباطؤ، رغم أنها لا تزال تسهم بشكل كبير في النمو العالمي.

وإلى جانب هذه التطورات الكلية العامة، هناك اتجاهات مهمة أخرى تحدث الآن، وتدفع نحو تجزئة التجارة وتفتيت الاستثمار. وتقف الجغرافيا السياسية وراء بعض هذه الاتجاهات، لكنها ليست العامل الوحيد.

في الواقع، إن إعادة تنظيم سلسلة العرض أمرٌ يحدث الآن، حتى لو اختلفت الأسباب وسرعة الاستجابة بين اقتصاد وآخر. ومع ذلك يخضع هذا السيناريو الإيجابي إلى حد ما لمخاطر عديدة، ومن الأمثلة على ذلك التعقيدات المترافقة مع الحروب الجارية في بعض المناطق.

وقد حذر صندوق النقد الدولي في تقرير سابق له بعنوان «آفاق الاقتصاد العالمي»، من أن تصاعد التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين، والتوزيع غير المتكافئ لمكاسب العولمة، قد يؤدي إلى تفتت العالم، ويسهم في زيادة الشكوك تجاه نظام تعددي ويعزز التشرذم. ويقصد الصندوق بالتفتت الدولي، إعادة رسم خريطة حركة التجارة ورأس المال، وتدفقات الهجرة، والاستثمارات العالمية العابرة للحدود.

* كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي «ناتيكسيس» (آسيا تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/53973jzn

عن الكاتب

كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي «ناتيكسيس» (آسيا تايمز)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"