عادي

انتخابات صربيا.. فشل للمعارضة وصدمة للغرب

23:32 مساء
قراءة 4 دقائق
الرئيس الصربي يعلن فوز حزبه

كتب - المحرر السياسي:

التوتر الذي تنتشر بؤره على خريطة العالم يُخفي الكثير من العوالق التاريخية من مخلفات تسويات ومعاهدات ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن هذه السلسلة من الفقاعات مستمرة كل حسب شدة الضغط التي تتعرض لها وتبعاً لقدرة موانعها على الصمود.

ارتفع بارومتر التوتر في البلقان بعد ماأسفرت عنه الانتخابات التشريعية والرئاسية في صربيا بفوز «الحزب التقدمي» الذي يتزعمه الرئيس ألكسندر فوتشيتش بأكثرية مطلقة، وفتحت نتيجتها التي لم ترض الغرب، الباب مجدداً أمام تسخين بيئة النزاع بين الروس والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يعرّض منطقة البلقان لمخاطر تجدد النزاع.

وقد حصل الحزب التقدمي الصربي على الأغلبية في الجمعية الوطنية بضعف عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها أقرب منافسيه. كما اجتاح الانتخابات الإقليمية والبلدية، وفاز بمجالس 165 مدينة وبلدة، بما في ذلك العاصمة بلغراد. وحصل ائتلاف «صربيا ضد العنف» المعارض، الذي جاء في المركز الثاني، على نسبة 23.62 في المئة من الأصوات، بينما حصل «البديل الديمقراطي الوطني» على نسبة ستة في المئة وضعته في المركز الثالث، متقدماً على حزب «نحن صوت الشعب» و«الاشتراكيون»، الذين شغلوا المركز الرابع بنسبة خمسة في المئة.

المعارضة إلى الشارع

وتعتقد المعارضة أن جاذبيتها في نظر الناخبين المعاصرين والمتطورين والحضريين والمتعلمين كفيلة بأن تؤمّن لها على الأقل جوهرة التاج، مدينة بلغراد. لكن زعماء المعارضة أصيبوا بالشلل على ما يبدو بسبب صدمة النتائج. وخرج أنصار المعارضة إلى الشوارع. وقام ما يقرب من 10 آلاف متظاهر بعرقلة عمل اللجنة الانتخابية، وهاجم المتظاهرون مبنى البلدية، وحطموا نوافذه، وحاولوا اقتحامه. وطالب زعماء المعارضة بإلغاء الانتخابات وإجراء تصويت جديد في العاصمة.

ودعا فوتشيتش إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي في صربيا على خلفية الاضطرابات التي شهدتها بلغراد ومواجهات أسفرت عن إصابة اثنين من ضباط الشرطة، واعتقال ما يزيد على 35 شخصاً من المتظاهرين. وقال الرئيس إن أجهزة الاستخبارات الأجنبية حذرت السلطات الصربية من التحضير لهذا الإجراء. كما أشار إلى أن السلطات الصربية لم تسجل أي انتهاكات خلال الانتخابات، ووصف الاحتجاجات التي جرت في البلاد بأنها «مسألة داخلية بحتة تخص صربيا».

وقد ندد زعيم التحالف المعارض رادومير لازوفيتش بالمخالفات التي تخللت العملية الانتخابية، واصفاً إياها بأنها «العملية الانتخابية الأكثر فساداً»، مشيراً إلى «شراء أصوات وتوقيعات مزورة».

وقد ركز الرئيس الصربي حملته الانتخابية على مكافحة ارتفاع الأسعار، كما تعهد بزيادة متوسط الأجور خلال السنوات المقبلة ليصل إلى 1400 يورو، إضافة إلى رفع معاشات التقاعد إلى 650 يورو.

لكن حملة الرئيس أفضت إلى تكريس عودة شخصيات قومية متطرفة إلى الواجهة السياسية، من بينها فويسلاف سيسلي الذي كان مستشاراً للرئيس.

ولقيت نتائج الانتخابات ردود فعل سلبية في عدد من دول الاتحاد الأوروبي اتهمت فيها الحكومة الصربية بتزوير الانتخابات.

التشكيك في نتائج الانتخابات

وقال ستيفان شيناخ، عضو البرلمان النمساوي ورئيس لجنة مراقبي الانتخابات في مجلس أوروبا إنها لم تكن انتخابات نزيهة. وأضاف «لقد سُرق النصر في بلغراد من المعارضة». وتلا ذلك تقرير أعده مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، يسلط الضوء على العديد من المخالفات.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعرب مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن قلق الاتحاد بشأن العملية الانتخابية في صربيا، أما ألمانيا فقد اعتبرت أن هناك تجاوزات غير مقبولة في الانتخابات لاحظها المراقبون الدوليون بالنسبة لبلد مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يضع تطبيق العقوبات ضد روسيا بين شروط الانضمام.

وطلب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر من صربيا التحقيق في المخالفات وحثها على «العمل مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لمعالجة هذه المخاوف».

ويرى مراقبون أن التظاهرات لا تعدو كونها محاولة من جانب الدول الغربية لإحداث تغيير جديد في صربيا بعد فشل المعارضة في الحصول على الأغلبية البرلمانية. ونذكر هنا بأن صربيا ترفض فرض عقوبات على روسيا بعد حرب أوكرانيا في موقف تشاركها فيه المجر وسلوفاكيا.

ويبدو أن موسكو مطمئنة لمجريات الأحداث في صربيا، حيث اتهمت الغرب وخاصة الولايات المتحدة بالضغط لتغيير الوضع السياسي فيها من خلال انقلاب عسكري. وقال سيرجي لافروف وزير الخارجية إن الغرب لا يريد القبول بإرادة الناخبين ودعمهم لرئيسهم فوتشيتش ومساره السياسي، ويعمل على وضع صربيا أمام خيارات «لي الذراع».

وتحدثت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجة ماريا زاخاروفا عن رغبة الغرب في «إقامة ميدان» في البلقان لزعزعة الأوضاع في البلاد على غرار ما حدث في كييف، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد «الانتفاضة البرتقالية» التي أطاحت الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، وقال آخرون إنها تعيد إلى الأذهان مشاهد «انتفاضة الجرافات» أول صور «الانتفاضات الملونة» التي دمرت يوغوسلافيا وأصبحت نموذجاً لإطاحة السلطة في أرجاء كثيرة من العالم.

وما من شك أن السيطرة على بلغراد قضية حساسة، لأن السلطة في العاصمة تعطي بعض الشرعية السياسية لكلا الجانبين. كما أن الفائز في الانتخابات هو من يعين رئيس بلدية بلغراد. أما من الناحية العملية، فإن السيطرة عليها تحمل معنى محايداً إلى حد ما. وتتخذ جميع القرارات الرئيسية والمهمة المتعلقة بالعاصمة والسيطرة عليها على المستوى الجمهوري. وعندما يتمتع الائتلاف الحاكم بغالبية مطلقة في البرلمان ليس من المهم من سيكون عمدة بلغراد.

ومن الطبيعي في دولة بهذا الحجم وبتاريخها المعروف بالانقسامات السياسية والنزاعات العرقية أن يكون تحقيق الاستقرار رهناً بتوافقات سياسية داخلية، أو بالتنسيق مع القوى العالمية التي لعبت في الماضي دوراً حيوياً في فض النزاعات العرقية ووضع الترتيبات السياسية التي تضمن حقوق الأطراف وتلزم الجميع بها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3bfshcpz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"