حرب غزة.. الكراهية والحقد

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجي صادق شراب
كشفت الحرب على غزة، وقبلها أوكرانيا، وفي العديد من الحروب والصراعات على المستويين، الإقليمي والدولي، أن هذه الحروب تكشف الجانب الخطر الذي نعانيه اليوم، والمتعلق بانهيار منظومة القيم الإنسانية والحضارية، والصراع من أجل القوة والبقاء، ولو على حساب المستضعفين، كأن العالم تحول إلى عالم من دون نظم، وقواعد، وقوانين دولية تحكم العلاقات بين دوله وشعوبه، وكأن الأمم المتحدة تحولت لمجرد غطاء لهذه الحروب.

هذا هو الجانب الخطر في حرب غزة الذي يكشف عمق الكراهية والعنف والحقد والرغبة في القتل والاستعلاء العنصري والنظر للآخرين كأنهم حيوانات بشرية يجب قتلها. لقد تحولت حياة أكثر من مليوني نسمة في غزة إلى جحيم لا يطاق. هذه الحرب لخّصت العالم في ثلاث كلمات، هي أزمة فكر وقيم وحضارة.

لقد دق الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي أدغار موران، جرس إنذار للأزمة التي تنزلق فيها حضارتنا بسبب تفاقم العنف والجهل، على مصير البشرية، ودعا إلى اتخاذ موقف وعدم نسيان القضايا العادلة وعدم الاستسلام للكراهية. وأضاف أن الفوضى تحمل في طياتها قوى التدمير، مستشهداً بقول يوناني قديم «الكون ابن الفوضى». ويعرف هذا الفيلسوف الفرنسي، ذو الأصول اليهودية، بموافقه المؤيدة لحق الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم، داعياً إلى عدم كراهية العدو. وتساءل «كيف نمتنع عن الكراهية في الشرق الأوسط؟»، أضاف «إن احتقار الآخرين وإنكار إنسانيتهم، من شأنه أن يعزز الحروب والرغبة في القتل، بل الشعور بالسعادة عند قتل الآخرين».

إن الكراهية هي أخطر تداعيات الحرب على غزة، فهي تقف وراء هذا القتل المتعمد للأطفال، والنساء، والمسنين، والتدمير لكل مظاهر الحياة، وتقف وراء التصريحات التي تصدر عن الكثير من المسؤولين الإسرائيليين الذين يطالبون بالتهجير القسري للسكان وتشتيتهم في الكثير من الدول، وتقف وراء نعت كل الشعب بالإرهاب، والنظر إليه نظرة دونيه.

وهناك جانب آخر تكشف عنه هذه الحرب، وهو البعد الديني، وهذا يذكّرنا بكتاب «صراع الحضارات» لصموئيل هنتنغتون الذي قال إن الصراع اليوم هو بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية المسيحية. وفى هذا السياق يمكن أن نتفهم ما قاله هيرتزل، واصفاً مشروعه بأنه «معقل للحضارة ضد الهمجيين». وقول وايزمان أول رئيس لإسرائيل إنه «صراع بين قوى الدمار والصحراء وقوى الحضارة والبناء». وقول نتننياهو إنه «صراع بين التقدم في القرن الحادي والعشرين، والتعصب الهمجي في العصور الوسطى، صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام».

لقد قال عضو الكونغرس الأمريكي ليندسي غراهام، النائب الجمهوري خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل «نحن في حرب دينية»، واختتم بمقولة للفيلسوف الصيني كونفوشيوس «قبل أن تشرع في رحلة الانتقام احفر قبرين أحدهما لعدوك، والآخر لنفسك».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mrymeke5

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"