الفن الاستعراضي

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

استكمالاً لما كتب الأسبوع الماضي لأهمية الالتفات للفن وأهله من منظور جديد، الانتقال من موجة المعارض المتكررة و«التحصيل» و«العموميات» والتنافس في خلق أكبر عدد من الفعاليات التي لا تضيف للفنان إلا مزيداً من الإرهاق، والمجهود وفي وقت ما «الإحباط»، سآخذكم فقط في لمحة لمشهد يتكرر كثيراً علينا كفنانين في الخط العربي، لأنه المجال الذي رأيته كثيراً، وأيضاً في الفنون الأخرى التي مرت علي: يأتي أصحاب المناصب في المؤسسات الثقافية، في وقت مقتضب، ويمر عليك بسرعة لا يلتفت كثيراً لما تقول، ولربما أذنه أصابها الصمم، حتى إنه لا يدرك ارتباكك وصحة ما تقول من عدمه، يمر ويذهب وتنتهي الفعالية التي لربما تعب فريق عمله فيها شهوراً، ولا يتذكرها في الصباح التالي وماذا رأى بالأمس، وماذا أدرك في تلك التجربة من عمق أو سطحية، إلا من رحم ربي! والحجة المكررة، الجدول مزدحم «والحمد لله فلان جاء وافتتح» ليصبح الفن مجرد استعراض.

قال لي يوماً أحد أصحاب الماركات العالمية ممن تعلمت منهم قيمة الأشياء الصغيرة: «الفن هنا كأنك تأكل البوب كورن» الفشار.

والمعنى في بطن الشاعر! أيها المسؤولون، من قال لكم اضغطوا الأجندة، ومن قال إننا مستعدون لتكرار نفس المشهد كل يوم، ومن قال إننا متقبلون لفكرة الإرهاق المستمر دونما تقدير حقيقي، معنوي ونفسي ومادي، أين في الميزانيات التي تصرف على البهرجة في إقامة كل هذا الزخم والعدد من دعمكم الحقيقي، سواء بالاقتناء أو بالتشجيع لبرامج قادمة.

لماذا المنافسة بين جميعهم والتي قتلت الوقت المستحق؟ لماذا الدوامة التي بدأت في قتل الشغف؟ ولماذا إلى اليوم لا يعرف المسؤولون ولا يدركون وجود إحصائيات دقيقة لعدد الفنانين المحترفين والجدد؟ لماذا كل المبادرات التي في ظاهرها دعم وانطلاق لتوجه عالمي يأتي باطنها صادماً ومحزناً؟ لماذا بعد أن تصبح مقالاتنا التي تحاكي الواقع معلنة وتقرأ لا يتحرك بعدها أحد؟ ولمن سنستمر في الكتابة مراراً وتكراراً ولا نجد في آخر الممر نوراً من أمل في التغيير؟ لماذا نحن نعاند الأصل في الأشياء، وهي الاحترافية، بمنهجية وبميزانية؟

يُقال لنا: أوجد أدواتك، وتعلم التقنيات، وخصص الأوقات، وبادر بنفسك، نعم أكثرنا يبادر بنفسه، ويجتهد ويحارب أيضاً، حتى إذا نجح حاربه بعضهم لأجندة شخصية. ليس في الأمر سوداوية ولا تشاؤم، بل على العكس تقدير لفكر من يحاول أن ينهض بالثقافة في دولتنا، من يهتم في تعميقها ومن يهتم في وجودنا، ومن يعيننا على اتخاذ القرارات الأصعب.

جميل أن نباهي بالعقول والنوابغ في كل المجالات، والأجمل أن نرى يوماً مبادرة شاملة بين كل القطاعات والمؤسسات، على امتداد الدولة، في تكاملية للانتفاع من كل ما تملك تلك المؤسسات، لتنقل الفن وأهله إلى مستوى وعالمية جديدة، ولعل وزارة الثقافة والشباب هي الجهة المخوّلة لفعل ذلك في يوم ما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/9pehsucz

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"