إسرائيل فوق الشجرة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

فشلت كل الدعوات العربية والدولية إلى وقف فوري للحرب الدائرة في قطاع غزة، وبقي الأفق مفتوحاً لدوامة العنف المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وكأنها لا تكترث للوقت وللدمار ولحصيلة الضحايا المفجعة، ومع مطلع كل يوم تتجلى نذر توسع هذا الصراع الذي يتمدد جنوباً وشمالاً.

كان من الممكن لهذه الجولة الدامية أن تتوقف في أيامها الأولى، لكن إسرائيل أرادت الانتقام لهجوم السابع من أكتوبر الذي استهدف عمقها وأصابها بزلزال استراتيجي غير مسبوق. ومنذ ذلك التاريخ التهمت آلة القتل العاتية أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين بين ضحية ومفقود، وعم الدمار الشامل البنى التحتية والمربعات السكنية والطرقات والأحياء والمخيمات والمستشفيات وحتى مقرات الأمم المتحدة. ومع كل ذلك لم تحقق إسرائيل أهدافها العسكرية، بل إنها بعد أكثر من مئة يوم من المعارك والتوغلات بدت تغوص في وحل هذا المستنقع، ولا يمتلك جنرالاتها خطة واضحة للحسم أو تجميد القتال أو الإقرار بالفشل، بينما باتت حكومتها تعيش عزلة دولية واسعة النطاق، وحتى بعض الحلفاء بدأوا ينفضون ويراجعون حساباتهم تحت تأثير الصدمات التي سببتها المجازر بحق الأبرياء وضيق الأفق السياسي لهذه الحرب المجنونة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان أول المهرولين لدعم تل أبيب في بداية الأزمة، بدأ يتراجع ولم تخنه الشجاعة السياسية عندما نصح تل أبيب بأن استمرارها في حربها المدمرة «سيشكل خطراً على أمنها على المدى الطويل». أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي رق قلبه أخيراً وانفطر للمأساة الإنسانية، فلم يكن صريحاً مثل ماكرون، ووصف ما يحدث في غزة بأنه «أمر صادم». وما لم يقله بلينكن هو أن هذه المأساة التي عاشها الفلسطينيون لن تدفعهم مطلقاً إلى الرضوخ والاستسلام للاحتلال ومشاريعه.

إسرائيل، التي تعودت على كسب معارك الأيام المعدودة، تورطت لأشهر في هذه الحرب التي أخذتها على حين غرة، وطالت أكثر مما كان يتوقعه أكثر الخبراء تشاؤماً في جيشها الذي «كان لا يقهر». فالصراع عندما يصبح حرب استنزاف لا يفوز فيه الأقوى مهما تسلح بأدوات القتل والفتك والتدمير. وخير من ينصح الإسرائيليين بتجنب هذا المصير هم الأمريكيون الذين جربوا المستنقعات المسلحة من فيتنام إلى أفغانستان والعراق، وكانت النتيجة النهائية هزيمة استراتيجية مكتملة الأركان.

وقف الحرب المدمرة على غزة مطلب إنساني عاجل. وحل القضية الفلسطينية لا يتم إلا بأن تنزل إسرائيل من فوق الشجرة، وتعترف بأن لهذا الشعب حقوقاً مشروعة، ككل شعوب الأرض، أما بتجاهل هذه الحقيقة فإن النتيجة الحتمية، ككل الصراعات من هذا الصنف، ستكون نصراً مبيناً للشعوب المقهورة مهما طال الصراع وعظمت التضحيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yjd5c9nz

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"