الحرب الاقتصادية

أوكرانيا ترسم ملامح الصراع العالمي بين روسيا والغرب
00:39 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
بوتين مع وزير الدفاع في لينينغراد

عن المؤلف

الصورة
1
ماكسيميليان هيس
* زميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية.
* زميل مشارك في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمريكية.

شكل التوتر في العلاقات الروسية - الأوكرانية الذي بدأ في عام 2014 بداية صراع عالمي ترك تأثيراً في العلاقات الدولية والأسواق العالمية. يتناول كتاب «الحرب الاقتصادية» كيفية استخدام روسيا أدوات جديدة في هذا الصراع، وكيفية تأثر الاقتصادات العالمية بسببه. يشدّد المؤلف على أهمية فهم هذا الصراع وتأثيره في مستقبل الليبرالية والديمقراطية في العالم بشكل عام.

1

كانت الحرب الأولى التي قام بها فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا في عام 2014 سبباً في اندلاع صراع اقتصادي عالمي، حيث استخدم الغرب نفوذه في الأسواق الدولية لردع الكرملين ومعاقبته. اجتازت خطوط القتال في هذه «الحرب بوسائل أخرى» سلسلة من الروابط الاقتصادية العميقة، التي تراكمت خلال طفرة النفط والغاز والسلع الأساسية في روسيا: أسواق الأسهم ورأس المال العالمية، واللصوصية العابرة للحدود الوطنية.
ويكشف هذا الكتاب الصادر عن دار هيرست للنشر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بالإنجليزية ضمن 280 صفحة، استجابة روسيا للعقوبات الغربية، والمناوشات التي تلت ذلك في محاكم لندن، وفي مكاتب التداول السويسرية، وفي مجالس الإدارة في نيودلهي. يستكشف المؤلف كيف تم استخدام خطوط الأنابيب والمناجم والقروض وأسواق العملات المشفرة كسلاح، وليمهد هذا الأمر الطريق لهجوم بوتين الشامل على كييف في فبراير 2022، والذي حول أسواق المال والغذاء والوقود إلى ساحات قتال حقيقية، ونقل القتال إلى منازل الجميع، من بنسلفانيا إلى باكستان.

ويرى المؤلف أنه بدلاً من «حرب باردة جديدة»، فإننا نشهد صراعاً حول الموارد المالية والطاقة وأسواق رأس المال، وإن الكيفية التي ستنتهي بها هذه الحرب الاقتصادية سوف تحدد مستقبل الليبرالية والديمقراطية؛ كما أنه سيشكل سابقة للعلاقات الاقتصادية بين الغرب والصين، حيث يتباعد البلدان في مجالات النفوذ والقوة المتنافسة.

الصورة
1

ضم شبه جزيرة القرم

يقول المؤلف إن أوكرانيا تشهد حرباً منذ فبراير/شباط 2014، عندما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم. وقام بعد ذلك بإثارة الصراع في منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا. بعد ثماني سنوات من الصراع في أوكرانيا والتوترات المتزايدة، شنت روسيا حرباً شاملة في 24 فبراير/شباط 2022، الأمر الذي لم يشعل فقط أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، بل حوّل أيضاً التوترات الروسية والغربية إلى حرب اقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة يمكن الشعور بها في جميع أنحاء العالم.

هذا الكتاب يدور حول تلك الحرب الاقتصادية، ويهدف إلى شرح سبب تصاعد الصراع بين روسيا والغرب؛ ولماذا أدت الحرب الروسية إلى اضطراب اقتصادي على نطاق عالمي؟ وكانت العقوبات الأولية، بقيادة الغرب، تهدف إلى تقليص ارتباطات روسيا بالنظام الاقتصادي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وردت روسيا، التي كانت على قناعة منذ فترة طويلة بضرورة معاملتها كقوة عظمى، بمحاولة تفاقم التوترات بين أوروبا لإضعاف فعالية العقوبات الأولية والتخفيف من خطر فرض المزيد من العقوبات. وبوصفها قوة عظمى محتملة، سعت روسيا إلى بناء روابط جديدة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الشراكة مع دول أخرى تعارض نفوذ الولايات المتحدة على النظام الدولي.

كان الدافع وراء الهجوم الروسي الأولي هو ثورة «أوروميدان» (الميدان الأوروبي) في أوكرانيا عام 2014، والتي أجبرت الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش على الفرار من البلاد. مما لا شك فيه أن الثورة كانت تشتمل على عنصر اقتصادي، حيث اندلعت الاحتجاجات الأولى بسبب القرار الذي اتخذه يانوكوفيتش برفض اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي. لكن السبب الأساسي وراء ذلك كان الفساد المستشري الذي تعانيه حكومة يانوكوفيتش، والذي رأى العديد من المحتجين أنه متشابك مع أجندته المؤيدة لروسيا. قبل الثورة، قال بوتين إن توثيق الروابط بين أوكرانيا والغرب، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الشراكة، من شأنه أن يهدد أجندته الاقتصادية ورؤيته لمستقبل أوراسيا.

الصورة
1

إعادة تشكيل العلاقات بين روسيا والغرب

أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى تشكيل العلاقات بين روسيا والغرب في السنوات التالية. وقد أضعفت العقوبات الغربية قدرة موسكو على السعي للحصول على التمويل في الغرب وجعلت الدائرة الداخلية لبوتين أشخاصاً غير مرغوب فيهم. وعلى الرغم من أن أغلب الشركات الروسية الكبرى وارتباطاتها الاقتصادية بالغرب لم تتأثر إلى حد كبير، إلا أن العقوبات أدت إلى رد فعل غريزي من جانب الكرملين، الذي أكد سيطرة أكثر صرامة على الاقتصاد الروسي وسعى على نحو متزايد إلى تقويض نفوذ الغرب في الداخل والخارج. كما أصبحت روسيا نشطة بشكل متزايد في السعي إلى إثارة التوترات الداخلية في الغرب، ولعل المثال الأكثر شهرة على ذلك هو المناقشة الدائرة حول دور روسيا في انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2016.

ورغم أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم لعب دوراً رئيسياً في تدهور العلاقات الروسية الأمريكية خلال هذه الفترة، فإن الكتاب يهدف إلى وضع التوترات بين روسيا والغرب في سياقها على خلفية التطورات التي تحدث خارج أوكرانيا. هذا هو محور الجزء الأول، الذي يبدأ بمعاينة نشأة الحرب الاقتصادية الروسية والغربية بالتزامن مع ثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا وضم بوتين لشبه جزيرة القرم في عام 2014. ثم يبحث بعد ذلك كيفية اختيار الغرب الرد بالعقوبات. والذي يتبعه تحليل مفصل لتأثيرها في روسيا في الفصلين الثاني والثالث.

ويرى الفصل الرابع أن فشل أوروبا في تبني نهج موحد في التعامل مع الهجوم الروسي قدم للكرملين فوائد مهمة في تخفيف العقوبات الأولية، ودفعه إلى الأمل في أن يتمكن من تجنب المزيد من العقوبات في المستقبل. ويشير المؤلف إلى تمكن العديد من اللاعبين الإقليميين الرئيسيين من الاستفادة من هذا الوضع لتعزيز مصالحهم الخاصة، وكيف فعلت تركيا ذلك هو محور الفصل الخامس. ثم يعود الكتاب إلى أوراسيا في الفصل السادس ويتناول كيف كانت المنطقة تقليدياً موقعاً لأشرس أشكال المنافسة الروسية الغربية. ومع ذلك، تهدف الفصول من السابع إلى التاسع إلى إظهار أن بعض أهم التطورات حدثت في أماكن أبعد، في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. وأخيراً، يركز الفصلان العاشر والحادي عشر على الصين ودول الشرق الأوسط الرئيسية التي لعبت دوراً حاسماً في تصعيد التوترات.

ينتهي الجزء الأول عشية قرار بوتين بتوسيع حربه ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وبشن حرب خاطفة باتجاه كييف والقصف في جميع أنحاء البلاد، لم يسعَ بوتين إلى الإطاحة بالحكومة الأوكرانية وضم مساحات واسعة من أراضيها فحسب، بل سعى أيضاً إلى إعادة روسيا إلى مكانة القوة العظمى. ومع ذلك، فقد فشل في وضع العديد من العوامل الحاسمة في الاعتبار عند اتخاذ قراره بمهاجمة رغبة الشعب الأوكراني في المقاومة، وبتكلفة كبيرة. كما أخطأ في الحكم على وحدة الغرب وقدرته واستعداده للرد، على الرغم من أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص لم تخف حقيقة أنها خططت لفرض عقوبات معوقة على الكرملين إذا شنت مثل هذا الهجوم في الأشهر التي سبقت الغزو الروسي. ولكن يبقى السؤال لماذا كان الطرفان على استعداد لتصعيد الصراع إلى المستوى الذي وصلا إليه؟

يرى المؤلف أن أحد خطوط المناقشة يتكون من الحتمية الجغرافية. في عام 1904، جادل هالفورد ماكيندر في «نظرية قلب الأرض» بأن «من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على قلب الأرض؛ من يحكم قلب الأرض يحكم الجزيرة العالمية». ركز ماكيندر على توازن الموارد وقوة الدولة وخلص إلى أن كتلة أوراسيا تعني أن من يسيطر على مركزها سيهيمن على السياسة العالمية. وبتطبيقها على الحرب في أوكرانيا، ترى الماكندرية أن السبب الذي أدى إلى حرب واسعة النطاق في أوكرانيا إلى حرب اقتصادية هو أن التوجه النهائي لأوكرانيا من شأنه أن يخلف تداعيات عالمية. لقد كانت الجغرافيا بالفعل عاملاً في الصراع. ساعد قرب الغاز الروسي من المستهلكين الأوروبيين، والشركات الروسية من البنوك الأوروبية، وقرب النخبة الروسية من المنتجعات الأوروبية الساحرة، على تعزيز الترابط الاقتصادي بين روسيا والغرب، حتى مع التباين الجذري في سياساتهما بعد عودة بوتين إلى الرئاسة من منصبه كرئيس للوزراء في عام 2012. ولكن حتى نظرية ماكيندر أثبتت أنها تفتقر بشدة إلى تفسير لكيفية تحول الصراع على أوكرانيا إلى حرب اقتصادية. والحقيقة أن مصير بيلاروسيا، الجارة الشمالية لأوكرانيا، يلقي بالمزيد من الشكوك على فرضية ماكيندر. وفي عام 2020، قام زعيمها ألكسندر لوكاشينكو بقمع الاحتجاجات بعد انتخابات مزورة بشكل صارخ. فرت زعيمة المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تسيخانوسكايا إلى المنفى وأعلنت نفسها الرئيس الشرعي، وحصلت على دعم صوتي وليس مادي في الغرب، وكانت التداعيات الاقتصادية ضئيلة.

أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا

أعطى بوتين الأولوية لأوكرانيا، والمنطقة الأوراسية الأوسع، بطريقة لم يفعلها الغرب، حيث رأى ارتباطها الوثيق بأوروبا بعد ثورة الميدان الأوروبي كمؤشر على أن الغرب كان يسعى إلى التعدي على «الجوار القريب» لروسيا، وهو مصطلح يشير إلى المنطقة التي تضم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي تعتقد روسيا أنها يجب أن تكون ضمن مدارها. وكانت رغبة روسيا في الحد من التعديات الغربية على حدودها قد دفعتها بالفعل إلى خوض الحرب مع جورجيا في عام 2008. وكانت حكومة تبليسي تسعى علناً إلى الحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي في ذلك الوقت، وتبنت أجندة السوق الحرة المدعومة من الغرب في السنوات التي تلت سياستها المؤيدة للديمقراطية بعد «الثورة الوردية» في عام 2004. كانت الحرب الروسية الجورجية عام 2008 محاولة لردع توسع ما تعتبره روسيا إمبراطورية الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي. وفي أعقاب ذلك احتلت روسيا منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية التابعتين لجورجيا في أعقاب ذلك، الأمر الذي جعل من المستحيل تقريباً تحقيق طموحات جورجيا في الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي. وقد أدت هيمنة روسيا على هذه المناطق وضم شبه جزيرة القرم بعد عام 2014 إلى إرساء الأساس لإمبراطوريته المنافسة.

وعلى الرغم من أن كييف لم تكن أقرب إلى العضوية مما كانت عليه في عام 2008، إلا أن بوتين استخدم مرة أخرى الناتو لتبرير هجومه على أوكرانيا في عام 2022. ولكن في حين أن حرب عام 2008 لم تخلف أي أثر اقتصادي دولي تقريباً، فإن المقترحات الأمريكية بفرض عقوبات على تصرفات روسيا لم تحقق أي نتيجة ولم تضع الأساس لمنافسة جيواقتصادية كبرى بين روسيا والغرب، بالتالي فإن هجوم روسيا على أوكرانيا في عام 2014 كان له تأثيره.

يتناول الجزء الثاني من الكتاب كيف تطورت الحرب الاقتصادية بين روسيا والغرب في الفترة التي تلت الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. ويبدأ الفصل الثاني عشر في أوكرانيا نفسها، ويعاين كيف حشد الغرب الدعم لكييف بينما أعاد الصراع الروسي صياغة اقتصاده وسياسته، ثم ينتقل الفصل الثالث عشر إلى الكيفية التي اختار بها الغرب الرد بنظام العقوبات الأكثر صرامة الذي تفرضه إحدى القوى الاقتصادية الكبرى على أخرى منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. ثم يدرس الكتاب تأثير ذلك في روسيا في الفصل الرابع عشر. ويوضح الفصل التالي كيف بدأت روسيا بالقتال، ويبحث الفصل السادس عشر في كيفية تأثر أوروبا على وجه الخصوص بالحرب الاقتصادية بدرجة أكبر بكثير من الولايات المتحدة. ويتناول الفصلان 17 و18 التأثير العالمي للصراع وكيف سعت استراتيجية روسيا إلى تقويض استقرار الاقتصاد الكلي الدولي، وينتقل الاستنتاج إلى حالة الصراع في نهاية عامه الأول؛ فبينما لم تنته الحرب الاقتصادية ولن تنتهي حتى ينسحب بوتين من أوكرانيا ويدعو إلى السلام، ثمة دروس واضحة يمكن تعلمها من كيفية الصراع، فقد تكشفت وظهرت، بما في ذلك تجنب حرب اقتصادية محتملة أكثر خطورة بين الغرب والصين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
http://tinyurl.com/mtcesndc

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
هاين دي هاس