عادي
أعمال تحرض على التأمل

مهرجان الفنون الإسلامية.. لسان الجمال

19:18 مساء
قراءة 4 دقائق
مهرجان الفنون الإسلامية.. لسان الجمال

الشارقة: علاء الدين محمود

لعل من أكثر الأشياء اللافتة في أعمال الفنانين المشاركين في مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية في دورته ال25، تلك النزعة نحو إشراك المشاهد في اللوحة والتجهيز الفني، عبر دعوته وتحريضه على التأمل، بل والتعمق في التفكير في مرامي العمل وما يحمل من أفكار ومعانٍ تسعى إلى تمثل شعار المهرجان «تجليات»، من أجل أن يسمو بعيداً في عوالم روحية وجمالية.

الفنانة البولندية ألكسندرا أولشفسكا شاركت بعمل اختارت له عنواناً بدلالات تقترب من مفهوم التجلي، وهو «الإشارات»، والإشارة لها رمزيتها في التجارب الصوفية، وهي تلميح وإيماء دون تصريح مباشر بالعبارة عن معارف وأحاسيس ومشاهدات أصحاب التجارب الروحية، وهي نتاج رحلة عامرة بالجماليات والإيمان.

والعمل «الإشارات»، عبارة عن تكوين أو تجهيز فني مصنوع من خطوط متقاطعة وزوايا معقدة تدفع المشاهد إلى عالم من الانسجام، حيث تُعطي أشكاله المنتظمة شعوراً بالتوازن والجمال، ومع التعمّق أكثر في تفاصيل هذه المنحوتة، فإنها سُرعان ما تكشف عن طبقة أعمق من الرمزية التي تتجاوز الملموس.

ولئن كانت الإشارة في التجربة الروحية، تحيل إلى التعبير غير المنطوق والمعقد والذي يعتمد بصورة أساسية على الرمز، فإن العمل يحمل ذلك التعقيد في جوانبه المختلفة، ويعتمد بشكل كبير على تجربة المشاهد وتذوقه للجمال ومعارفه الروحية. العمل الفني مصنوع من شبكة فولاذية وترمز الأشكال الهندسية فيه إلى التفاعل بين المادي والروحي أو الميتافيزيقي، والمرئي وغير المرئي، حيث يعتمد على تلك الثنائية، كما يتناسب كل شكل وزاوية فيه مع الرحلة الروحية للمشاهد ويدعوه إلى التأمل بقوة.

ويحتشد التجهيز الهندسي بالجماليات التي تدعو للإعجاب؛ حيث يحيل المشاهد إلى عالم من التناغم والتفاعل بين الأشكال الموجودة فيه، كما أنه يشجع على التفكير في وحدة المعرفة والفن والروحانية.

يتفاعل العمل مع عناصر الطبيعة خاصة لحظة المغيب، فمع غروب الشمس وتراقص الظلال المعقدة على المنحوتة، فإن التجهيز يكون أكثر جمالاً، ويحمل دعوة للتأمل في صمت في أسرار الكون، وفي تلك العلاقة بين الفن والمعرفة والروح الإنسانية.

ولعل تخصص الفنانة قد ساعدها كثيراً في إنجاز هذا التكوين الذي يحمل الجمال والمعنى في ذات الوقت، حيث إن ألكسندرا، وهي فنانة ومصممة ورسامة متعددة المواهب، فتنها النسيج الغني لثقافة وتقاليد الشرق الأوسط.

ولدت ألكسندرا ونشأت في بولندا، وبدأت رحلتها الفنية في سن مبكرة؛ حيث درست التصميم الجرافيكي والرسم التوضيحي والتواصل المرئي في أكاديمية الفنون الجميلة في مدينة كراكوف قبل أن تعمل مصمّمة ورسامة مستقلة، ويتنوع إلهام هذه الفنانة بتنوع الثقافات التي تعيش بينها؛ ولذا تجد المواضيع العربية والفن الإسلامي والجمال الخام غير الملوث للمناظر الطبيعية الصحراوية طريقها إلى مدارها الإبداعي، وقد عُرضت رسوماتها وتصميماتها في العديد من المطبوعات والمعارض في الشرق الأوسط وأوروبا؛ لذلك نجد ذلك التأثير الكبير للثقافة العربية والإسلامية قد انعكس على أعمالها الفنية.

*بوابات

الفنان الإماراتي عبد الله النيادي، شارك بعمل يحمل اسم «البوابات الأبدية... رحلة التجلي»، وهو تكوين يحتشد بالجمال ويثير في النفس لواعج الشوق لأزمنة مضت وتركت آثارها في النفوس، وأمكنة لم تفارق قلوب الإماراتيين الذين دائماً ما يأخذهم الحنين إلى «زمن الطيبين».

والعمل الفني يستوحي رحلة التجلي من السحر الآسر للبوابات المعدنية القديمة التي اعتادت أن تُزيّن أحياء دولة الإمارات ورمزيتها التي تُعبّر عن المجتمع والبساطة والألوان النابضة بالحياة والحرفية المعدنية الرائعة، مما يعكس آمال وأحلام المجتمع في ذلك الوقت.

وبفضل جاذبيتها الخالدة وأنماطها الإسلامية البسيطة والمذهلة، تروي كل بوابة قصة تعكس عناصر الخصوصية، ويكمن في صميم هذا التجهيز الفني تقدير عميق للفن الإسلامي، الذي يُنسج بسلاسة في سردية «البوابات الأبدية»؛ إذ تستلهم الأنماط المعقدة الموجودة على البوابات المعدنية القديمة من التراث الغني للتقاليد الفنية الإسلامية، ويعكس التفاعل الدقيق بين الهندسة والروحانية في الفن الإسلامي وحدة المجتمع نفسه، ليقدم تمثيلاً مرئياً للتعايش المتناغم بين العناصر المتنوعة.

ومن خلال دمج مبادئ التصميم الإسلامي الخالدة، فإن هذا التجهيز الفني لا يكتفي بتمثل التراث الثقافي للدولة فحسب، بل يُذكر بالتأثير الدائم للفن الإسلامي وتعزيزه للتأمل والجمال والترابط. ويحمل العمل دعوة للتمتع بجمال تلك البوابات البديعة في تصميمها، كما أنه يدعو كذلك للتأمل في عمق الفنون الإماراتية ببعدها العربي الإسلامي، وأثره في النفوس وفي تكوين الشخصية الإماراتية.

التصميم المعماري البديع في العمل، جاء بفضل تخصص عبد الله النيادي في الهندسة المعمارية، ولعل براعة الفنان تكمن في قدرته ونجاحه في تشكيل هوية فنية تربط بين مجالات الهندسة المعمارية وصناعة الأفلام والوسائط الإبداعية المختلفة؛ إذ تميزت رحلته في عالم الفن بإنجازات بارزة، بما في ذلك اختياره لبرنامج زمالة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين والمشاركة في برنامج استوديو الفيلم العربي.

عرض النيادي أعماله في صالات عرض مرموقة، وقدّم أفلامه القصيرة في مهرجانات سينمائية شهيرة داخل الدولة وعلى الساحة العالمية.

*لغتنا هويتنا

الفنان والخطاط المصري الدكتور فكري النجار، قدّم العديد من اللوحات الخطية التي تعبر عن مضامين ومواضيع مختلفة من واقع تجربته الممتدة مع فن الخط العربي، وهي الأعمال العامرة بالجماليات والتي تحمل العديد من المعاني.

ومن تلك المشاركات للنجار، يبرز عمله الذي يحمل اسم «اللغة العربية سياج هويتنا»، وهي الجملة التي تحملها اللوحة الخطية التي جاءت بخطي الثلث والجلي الديواني على ورق «إبرو»، باستخدام الحبر الياباني الأسود.

وتكمن أهمية اللوحة، إلى جانب جمالها الذي لا تخطئه العين، في معانيها التي تدعو إلى الاهتمام باللغة العربية الفصحى، فهي الإطار الحامل للهوية والذي يحافظ عليها.

ولعل اهتمام النجار باللغة نابعٌ من تخصصه، حيث يعمل حالياً في قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الشارقة، وهو حاصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في النحو والصرف والعروض بمرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وألقى عدة محاضرات في الخط العربي وقضاياه، وقدّم عدّة ورش ودورات تدريبية في أنواع الخط العربي المختلفة، ونظم عدة معارض فرديّة بجامعة الشارقة، وحضر وشارك في معارض أخرى، وهو عضو في جمعية الإمارات لفن الخط العربي، وجمعية الإمارات للفنون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y2bejze9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"