الوالد سلطان

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

كنت في هذه الحياة محظوظة جداً، بأناس كثر أوجدهم الله في دربي، وغيّروا حياتي، وحين جعل الله من حسن تدبيره في طريقي من أنار قلبي وعقلي وبصيرتي، وأمسك بيدي دونما تردد، ورق بكلمته فيّ حتى أصبحت إنسانة مختلفة، بعض هؤلاء نادرون، وبعضهم لا أعتقد أنهم يتكررون، وكم كنت في نعمة كبيرة أن قابلت الوالد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في حياتي كثيراً.

قبل نحو عشرة أعوام، مشيت معه في المعرض الإعلامي ل«مخيّم الأمل»، الذي تقيمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، كنت أمشي بمحاذاته، وأشرح له تفاصيل المخيّم، وهو منصت لي، فتوقفت فجأة، وقلت له «والدي أنا أتكلم عن أمور أنت تعرفها وأسستها»، فقال لي: لا عليك يا ابنتي أكملي.

وفي عام 2018، التقيته في ملتقى الخط العربي بالشارقة، أمام لوحة أرهقني عملها، فكراً، وتصميماً، وطولاً، فقال لي حين وقف إلى جانبي «هذا أكبر مني ومنك يا ابنتي، أنت بخير؟»، قلت له أتعبتني لكن كان لا بدّ من كسر حاجز الخوف، وبعدها بشهرين قابلته في مجلسه الخاص في شهر رمضان، وسلم عليّ بالصيغة نفسها «ابنتي». لربما لم أره بعدها، لكنّي ما زلت أذكر كل الأعوام في المخيّم، وباقي المناسبات، التي جمعتني به وحديثه الأبوي الذي لا يملّ، كيف علّمنا أن العلم مدرسة وصبر وتعب، وكيف أن البحث عمر وصدق وتاريخ، وكيف أن الإبداع اجتهاد ومثابرة واستمرار. صممت يوماً عملاً عرض في ملتقى الشارقة للخط العربي 2022، أسميته «أفلاك سلطان»، لم يره، لكنها التجربة التي كتبتها لأوثق تجربة المشوار، الذي جمعني به وكل مجالات العمل التي التقيته، أو سمعته فيها.

الوالد الشيخ سلطان، أحد رواد الاتحاد، ومن عاشر الوالد المؤسس، وكتب عن الكثير، وأرخ عن كثُر أيضاً، وقبل أيام احتفلنا بذكرى توليه الحكم ال52، وفي داخلي استشعرت اللحظات كلها، وكل ما تعلمته منه ابنة وقارئة وكاتبة وفنانة، الإرث الكبير الذي يتركه ويعزّزه في قلوبنا، وحبّه لنا، وتواصله، لا توثق بسهولة ولا تترجم بعبارات في مقال، قد نبارك لأنفسنا وجوده في حياتنا، ولكننا نزيد بذلك ونشكر الله على وجوده، وندعو الله أن يطيل في عمره، فهو والد الثقافة، والد الفنون، والد المعاقين ونصيرهم، والد الكتاب وأهله، والد التراث وأصله، والد العلم وجامعه، والد الطلاب ومستقبلهم، والد الشعب وقريبهم، ووالد السماحة والحنان والعطف والحرص.

لا أتباهى هنا أنني أكتب عنك يا والدي، لكنّني محظوظة أن منحني الله عقلاً وفكراً، وقلماً أكتب به سطوراً خجلى عنك، حفظك ورعاك وأدامك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mr2swfa5

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"