الديناميات الاجتماعية والتغير السياسي

00:56 صباحا
قراءة دقيقتين

حسام ميرو

شهدت الدراسات الاجتماعية، تطوّرات مهمّة في تحليل الكيفيات التي تحدث بها التحوّلات الاجتماعية، ليس فقط بالاعتماد على النظريات الكبرى، مثل الماركسية والبنيوية، بل أيضاً في مجالات التخصّصات الدقيقة، المعنية بفهم آليات التواصل في المجتمعات، ودورها في تحديد الاتجاهات العامة، لكن تأثير هذا التطوّر يتفاوت من قارة لأخرى، ومن دولة لدولة، بسبب تفاوت طبيعة الأنماط السياسية، وسياق تطوّرها التاريخي.

الإسهام العربي في تطوير الدراسات الاجتماعية، بقي محدوداً، ويمكن الحكم عليه، بشكل واسع نسبياً، أنه بقي منفعلاً بما ينتج في العالم المتقّدم، بل ويقف في بعض الأحيان عند لحظات تأسيسية أساسية، لكن جرى تجاوزها بشكل كبير، فمجمل التفاعل العربي البحثي في مجال العلوم الاجتماعية، يقف عند ما قدّمته إسهامات بارزة في النصف الثاني من القرن العشرين، تلك الإسهامات، على الرغم من مكانتها الكبيرة، فإنها تنطوي على قدر كبير من العمومية النظرية، إضافة إلى أنها نتيجة صراعات فكرية أسبق على نشأتها.

فهم ظاهرة التأخّر في مجالات علم الاجتماع عربياً، لا يمكن ردّه إلى عجز العاملين في هذا الحقل، فهذا الأمر مجرّد تفصيل في اللوحة الأكثر شمولاً، أي لوحة العلاقة بين السلطة والمجتمع، والتي تتضمّن عدداً من المستويات، من أهمها ربما، مستوى العلاقات داخل بنية السلطة ذاتها، والتي أصبحت، بحدّ ذاتها، حقلاً للدرس المستقل، بعد أن كانت لفترة طويلة، أي السلطة، مجرّد بنية فوقية.

ما الذي يجعل السلطة قادرة على إعادة إنتاج ذاتها؟

إن واحدة من أبرز مشكلات التفسير الطبقي لهذه الظاهرة، أنه يعفي العلوم الاجتماعية من الذهاب نحو تشريح الديناميات الاجتماعية، كما أن تخلّي العلوم الاجتماعية عن أخذ التفسير الطبقي بالحسبان، هو شكل من أشكال الانحياز المسبق لجهة السلطة.

أحد مؤشرات التقدّم العام في المجتمعات، يكمن في الحيوية التي تتمتّع بها الديناميات المجتمعية التي تمنع حدوث هيمنة مطلقة للسلطة، وهو ما يجعل جزءاً مهماً من علاقة السلطة بالمجتمع يقوم على التفاوض الدائم الذي يؤكد مكانة ومسؤولية السلطة والمجتمع تجاه القضايا المطروحة عليهما، لكن، هذه العلاقة، ما أمكن لها أن تكون قائمة، وتتمتّع بمستوى من الرسوخ والاستمرارية، من دون ديناميات مجتمعية، فرضت نفسها باتجاهين، الأول استقلاليتها عن السلطة نفسها، والثاني، قدرتها على الدفع نحو تغيير السلطة، أي أنها شريك لا غنى عنه، في تشكيل السلطة.

إن السلطة السياسية، عندما تهيمن على الفضاء العام، وتمنع الديناميات الاجتماعية من التطوّر، والتعبير عن أزماتها، أو منعها من المشاركة في صناعة السلطة، فإنها تدفع نحو وضع نفسها على النقيض من المجتمع الذي تنتمي إليه، وتحكم باسمه.

في عالمنا العربي الذي تغطي القتامة الجزء الأكبر من لوحته العامة، فإن الأزمات تكاد تكون من طبيعة بنيوية داخل المجتمع والسلطة على حدّ سواء، الأمر الذي يفسّر إلى حدّ كبير، فشل محاولات التغيير السياسي، وتخثّر الديناميات الاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mwxsmnew

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"