ألمانيا وشبح النازية

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تتوجس الساحة السياسية الألمانية خيفة من صعود شعبية حزب البديل المتطرف وتعالي أصوات قادته في الحملات الانتخابية ووسائل الإعلام بمواقف ودعوات غير مألوفة في العقود الماضية، ما دفع قوى سياسية إلى تحريك الشارع، فخرج عشرات الآلاف في احتجاجات مناهضة للحزب الذي يوصف بشبح نازي يهدد الديمقراطية في ألمانيا، ومن ورائها كل أوروبا.

من آخر فصول هذه المواجهة، أصدرت محكمة في مدينة كولونيا حكماً يصنف جناح الشباب لحزب «البديل من أجل ألمانيا» حركة يمينية متطرفة، تتبنى فكراً يؤمن بتفوق العرق الألماني على غيره، ويعمل على استبعاد المهاجرين والتحريض عليهم حتى تبقى ألمانيا نقية من الأجانب. وفي الواقع تتفشى هذه الأفكار العنصرية بقوة في أوروبا، فأغلب الدول تنفذها بطرائق مختلفة، وهناك حكومات، تصنف على أنها «معتدلة» تسعى لتمرير نفس الفكر العنصري لدواع أمنية تارة وطوراً لأسباب اقتصادية. أما في ألمانيا فالقصة أعمق بكثير، لأن مد اليمين المتطرف يكبر ويتضخم، وتكاد تعيش ما عاشته قبل قرن بالتمام والكمال حين تأسس الحزب النازي وبدأ يكتسح كل شيء، وشكّل، مثل حزب البديل الحالي، حركة شبابية سميت «كتيبة العاصفة» قبل أن يحولها الزعيم النازي أدولف هتلر لاحقاً إلى حركة «شباب هتلر» التي تحفل كتب التاريخ والوثائقيات بشواهد عما فعلته منذ 1926 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. وكأن مقولة «التاريخ لا يعيد نفسه» لا تنطبق على ألمانيا، فالأسباب العميقة للتجربة الأولى المدمرة مازالت حية وتلقي بثقلها على توجهات حزب البديل الحالي المعروف بعدائه الشديد للاتحاد الأوروبي، وهو اقترح مؤخراً إجراء استفتاء لخروج برلين من التكتل.

ظاهرة التطرف في ألمانيا تتسع ولا تتقلص، فحزب البديل الذي تأسس قبل 10 سنوات بعدد من الأنفار حول فكرة احتجاج على سياسة إنقاذ اليورو، أصبح اليوم أكبر حزب في البوندستاغ (البرلمان)، ويرتبط بتحالفات مع أحزاب من صنوه مثل «بيجيدا» المعادي للمسلمين. وبقطع النظر عما يمكن أن يحمله المستقبل القريب من تفاعلات، فإن الوضع الألماني خاصة، والأوروبي عامة، لا يبعث على الاطمئنان، فقد تزعزت الثقة في القوة والاتحاد والفاعلية على المسرح الدولي. وربما تكون احتجاجات المزارعين في أكثر من بلد إشارة بليغة على حجم الضرر الاجتماعي والتدهور الاقتصادي، وهذه الحالة بدأت منذ ما قبل جائحة «كورونا» واستفحلت مع الحرب الروسية في أوكرانيا، وها هي تشتد مع انفجار الأزمات في أكثر من منطقة وإقليم، وكلها ترتد سلباً على أوروبا أكثر من غيرها.

شعور الطبقات الاجتماعية الأوروبية بالضغط مع تراجع عهد الرفاه والقلق من المستقبل، عوامل مسؤولة عن نشوء الأفكار المتطرفة، وحاضنة مثالية للأحزاب الشعبوية. ورغم التطمينات الليبرالية بأن الأوضاع تحت السيطرة، إلا أن قراءة الواقع تؤكد أن المعطيات اختلفت وأن الجميع يبحثون عن البديل وليس في ألمانيا فقط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ptc9z6up

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"