بحثاً عن وساطة غير متحيّزة

00:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري

تعلو الآن، وبكثرة، اتهامات لأمريكا بأنها تخلت، عملياً، عن دور «الوسيط النزيه» الذي كانت التزمت به، سياسياً وأخلاقياً، لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، في إعلان رسمي في منتصف التسعينات.

وتحدث عن هذه التوجهات، بروس جنتيسون، الذي كان يعمل كبيراً لمستشاري شؤون الشرق الأوسط في إدارة أوباما. وهو الآن أستاذ السياسات العامة، بجامعة ديوك في كارولينا الشمالية.

ويقول: منذ إدارة بيل كلينتون لم يحدث أي إحياء لمبدأ الوسيط النزيه، وبينما لا تزال أمريكا تتصدر جهود إحلال السلام في المنطقة، إلا أنها لم تعد تستطيع، عملياً، الانفراد بالتصرف في نزاع تعثرت جهودها في تعقيداته لعقود متواصلة.

وبالتالي، فإن أمريكا فقدت القدرة على التحرك الذي تستطيع معه أن تقدم شيئاً لهذا النزاع، خاصة أمام موقفها من مضاعفة الخسائر البشرية في غزة، ما دعا دول المنطقة لأن تسأل: هل أمريكا قادرة على البقاء في موقع قيادة جهود حل النزاع؟. ثم إن القيادة لا تعني بالضرورة، احتكار أمريكا لإدارة هذه الجهود، لكنها تعني القدرة على الإدارة الفعالة لحركة وسلوك جميع الأطراف.

ونقلت صحيفة «كريستيان ساينس مورنيتور» الأمريكية، سؤالاً قاطعاً يردده خبراء سياسيون، هو: هل تستطيع أمريكا أن تكون وسيطاً نزيهاً في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟

ثم أضافوا إلى السؤال رأيهم القائل بأن مواصفات «الوسيط النزيه» تتمثل في عدم التحيز، لأي من طرفي النزاع، وأيضاً في استخدام هذا الوسيط كل الوسائل المتاحة له للضغط والإلزام على كل من يخرج عن قواعد إدارة النزاع.

لكن ما يحدث هو أن بايدن مستمر في انغماسه، بقوة، في التأييد بلا حدود لإسرائيل في مواجهة الطرف الثاني في النزاع، وهي السلبية التي جعلته في عزلة دبلوماسية عن العالم.

وأن مواقفه تعطي ضوءاً أخضر لإسرائيل للتمادي في تصرفاتها، التي وضعت أمريكا في حالة تدهور متواصل في قدراتها على أن تلعب دور «الوسيط النزيه»، بل إن مواقف بايدن وصلت إلى حد التناقض في كلماته التي تعطي المعنى، ونقيضه، في اللحظة نفسها. ظهر ذلك عندما سئل في آخر مؤتمر صحفي له، عمّا إذا كان تحقيق السلام سيكون مستحيلاً في وجود نتنياهو، وكان ردّه «لا. هذا ليس صحيحاً»، وأكد أن نتنياهو لا يعارض حل الدولتين، وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو أعلن في مؤتمر صحفي أنه أبلغ البيت الأبيض رفضه قيام دولة فلسطينية، وعلقت على ذلك تقارير صحفية أمريكية، بقولها إن ما أعلنه نتنياهو يخالف ما تقوله أمريكا.

ثم إن صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، قالت إن مقربين من الرئيس بايدن نصحوه بالإعلان عن عدم ثقته بنتنياهو، لكن بايدن متردّد تجاه هذه الخطوة.

ووصلت تناقضات موقف الولايات المتحدة إلى الحد الذي أدلى فيه وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، بتصريح بكلمات تعبر عن ذلك، حين قال: «إن ما نراه الآن في غزة هو أمر صادم. والمعاناة هناك تفطر قلبي، لكن السؤال هو: ما الذى يجب عمله؟».

ودخل «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وهو مقرب من إسرائيل، في هذا الجدل، بقوله إن أمريكا ليس أمامها فرصة للتحرك، بينما تواجهها مأساة دامية بسبب الخسائر البشرية في غزة، من دون أي تصرف قوي وحاسم من جانبها، يمكن أن يقنع أحداً بأنها قادرة على البقاء في موقع قيادة حل النزاع وإحلال السلام. وأضاف المعهد: ليس معنى أن من يملك القيادة، أن يكون محتكراً لها، لكن يعني القدرة على إدارة حركة جميع الأطراف، من دون استثناء. ما دفع للسؤال المتكرر: متى يستخدم بايدن ضغوط أمريكا المتاحة له، من أجل إنهاء القتال، بما يقنع الدول في المنطقة وخارجها، بأنه يقوم فعلاً بدور الحَكم والوسيط، بالمعايير المتفق عليها، واتخاذه موقفاً غير متحيز؟

كما أن هيولوفات خبير شؤون الشرق الأوسط للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، نقل التوجهات في أوروبا لهذا السلوك الأمريكي، بقوله إن أوروبا تمرّ الآن بمرحلة اختبار لموقفها إزاء سلبية تصرفات أمريكا في غزة، ما جعل موقف أمريكا ليس مهيمناً، وإذا كانت هناك إمكانية لتحقيق السلام، فإن ذلك يمكن حدوثه من دون أمريكا.

وحتى إذا لم تكن حكومات أوروبا تضغط على بايدن، فإن ضغوط الرأي العام الأوروبي على حكوماته لابد في مرحلة أن يدفعها لأن تضغط على أمريكا، وإلا باتت تلك الحكومات في حالة انفصال عن إرادة شعوبها.

واتصالاً بذلك، طرح العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي ألكسندر كورتز، السؤال الذي وصف بأن إيجاد إجابة عنه، يمكنها أن تحدد مواقف كل الأطراف في أوروبا وأمريكا.. والسؤال هو: هل ترون أن للفلسطينيين حقاً في الحياة؟. ثم أضاف أن الإجابة لا تكون بالكلام، بل بالفعل.

وكان كورتز بذلك يعبّر عن تضامنه مع خطاب عدد من الديمقراطيين في مجلس النواب، يتهمون فيه بايدن بأن مواقفه هي في حقيقتها مؤيدة لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4yb36j6e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"