عادي

عذب الكلام

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

من بدائع التّراكيب الغَريبة، قولُ ابنِ الرّومي:

أَأَسْماءُ أَيُّ الواعِدَيْن تَرَيْنَهُ

أَشَدَّكُما مَطْلاً فإنّيَ لا أَدْري

أَأَنْتِ بِنَيْلٍ مِنْكِ يُبْرِدُ غُلَّتي

أَمِ النَّفْسُ بالسُّلْوانِ عَنْكِ وبالصَّبْرِ

فالغرابة، أنّ ما تقّره أسماء، أيّاً يكن، سيُطفئ لهيب شوقه.

وقولُ زُهَيْر بن أبي سُلْمى:

وما كانَ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإنَّما

تَوارَثَهُ آباءُ آبائهمْ قَبْلُ

وهَلْ يُنْبِتُ الخَطّيَّ إلّا وَشيجُهُ

وتُغْرَسُ إلّا في مَنابِتِها النَّخْلُ

ممدوحوه في كلّ أحوالهم كرماء، فقراء كانوا أم أغنياء.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

رُقَيَّ

عبدالله بن قيس الرُّقَيّات

(بحر الوافر)

رُقَيَّ بِعَمْرِكُم لا تَهْجُرينا

ومَنّينا المُنى ثُمَّ امْطُلينا

عِدينا في غَدٍ ما شِئْتِ إِنّا

نُحِبُّ ولَوْ مَطَلْتِ الواعِدينا

فَإِمّا تُنْجِزي عِدَتي وإِمّا

نَعيشُ بِما نُؤَمِّلُ مِنْكِ حِينا

تَقِنَّ اللَّهَ فيَّ، رُقَيَّ، واخْشَيْ

عُقوبَةَ أَمْرِنا لا تَقْتُلينا

بِعَيْشِكِ وارْفُقي بي أُمَّ عَمْروٍ

ويَوْمَ رِجالُ أَهْلِكِ يَنْذُرونا

دَمي ثُمَّ انْدَخَلْتُ إِلَيْكِ حَتّى

تَخَطَّيْتُ النِّيامَ الحارِسينا

فَبِتُّ تَمَسُّهُم قَدَمي وثَوْبي

ووَدّوا مِنْ دَمي لَوْ يَشْرَبونا

ويَوْمَ تَبِعْتُكُم وتَرَكْتُ أَهْلي

عَجيجَ العَوْدِ يَتَّبِعُ القَرينا

من أسرار العربية

في الكلّيات: المالُ النَّفيس: غُرَّةٌ. ما أَظَلَّ الإِنسانَ فوقَ رَأْسِهِ من سَحابٍ أو ضَبابٍ أو ظِلٍّ: غِيابٌ. ما يَرُوعُ مِنْ جَمالٌ أو كَثْرَةٌ: رائعٌ. ما اسْتَجَدْتَهُ فَأَعْجَبَك: طُرْفَةٌ. ما حَلَّيْتَ بهِ امْرأةً: حَلْيٌ. الإناءُ يُجْعَلُ فِيهِ الشَّرابُ: ناجُودٌ. ما يَسْتَلِذُّهُ الإِنسانُ من صَوْتٍ حَسَنٍ طَيِّبٍ: سَماعٌ. الصائتُ المُطْرِبِ الصَّوتِ: غَرِدٌ ومُغَرِّدٌ. ما تَجاوَزَ قَدْرَهُ: فاحِشٌ. الضَّرْبُ من الشَيْءِ وصِنْفِ الثِّمارِ والنّبَاتِ: نَوْعٌ. الشَهْرُ في صَمِيم الحَرِّ: ناجِرٌ؛ قال ذو الرُّمّة:

صَرىً آجِنٌ يَزْوِي لَهُ المَرْءُ وَجْهَهُ

إذا ذاقَهُ الظَّمْآنُ في شَهْرِ ناجِرِ

وغُرَّة كُلِّ شيءٍ أولُهُ. وكَبِدُ كل شيء: وَسَطُهُ. وخاتِمةُ الأمر: آخرُهُ. والسِنْخُ: الأصْلُ. وتباشِيرُ كلِّ شيءٍ أوَّلُهُ، ومنه تباشيرُ الصُّبْحِ؛ قال لَبيد، يصفُ صاحباً له، كاد أن يَفغو:

قَلَّ ما عَرَّسَ حتّى هِجْتُهُ

بالتَّباشِيرِ من الصُّبْحِ الأُوَلْ

هفوة وتصويب

كثُرٌ يستخدمون هذا التركيب «وقَدْ قامَتْ المرأة بتَرتيب المَكان».. أو «قامَ فلانٌ بِكتابةِ رسالةٍ...»، والتركيب فيه حَشْوٌ؛ ففي صحيح اللغة: قام قَوْماً وقَوْمَةً وقِياماً وقامَةً: انْتَصَبَ، فهو قائِمٌ. وقامَ ميزانُ النَّهَار: انْتَصف. وقامَ قائِمُ الظّهيرَةِ: حان وَقْت الزَّوال. والأصوبُ القول «رَتَّبَتِ المَرأةُ المَكانَ». أو «كَتَبَ فلانٌ رسالةً».

ومثله هذا التّركيب «تَمّتْ مُعالَجةُ المَوضوع».. والأصوب «عالج المعنيّون الموضوع»، أو بناؤه للمجهول «عولِجَ الموضوع»، إذا لم يكن ذكرُ الفاعل ضروريّاً؛ ففي المعاجم: تَمَّ الشيء يَتِمُّ: تَكمّلت أجزاؤه وتَمَّ الشَّهر: كَملت عدّة أيامه. وقَمَرٌ تَمامٌ وتِمامٌ، إذا تَمَّ ليلةَ البَدْر؛ قال امرؤ القيس:

فَبِتُّ أكابدُ لَيْلَ التِّمامِ

والقَلْبُ مِنْ خَشْيَةٍ مُقْشَعِرُّ

ومن الحشو أيضاً القول «وقد ألْقيتْ في المُناسبةِ قصائدُ شِعْريّةٌ»؛ فما لزومُ «شعريّة» هنا؟ فالقَصائدُ لا تكون إلّا شعريّةً. والأصوبُ القول «أُلْقِيتْ قَصائدُ» أو «أُلقيتْ أشْعارٌ».

قال محمود درويش:

قَصائدُنا بلا لَوْنٍ بلا طَعْمٍ بلا صَوْتِ

إذا لَمْ تَحْملِ المِصْباحَ مِنْ بَيْتٍ إلى بَيْتِ

من حكم العرب

هي القَناعَةُ فالْزَمْها تعِشْ مَلِكاً

لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْكَ إلّا راحةُ البَدَنِ

وانْظُرْ إلى مالِكِ الدُّنْيا بأجْمَعِها

هَلْ راحَ مِنْها بِغَيْرِ القُطْنِ والكَفَنِ

البيتان لأبي منصور الثعالبي، يقول إن القناعة في الحياة وتفاصيلها، حتى لو كان فيها بعض المنغّصات، إذا كان البدن مرتاحاً خالياً من المرض، فإنّها تعادل أكبر المناصب، وأهمّها.. وها هم كثير من الأثرياء، أو أصحاب الجاه والملك، غادروا الدّنيا، ولم يكن معهم سوى الكفن وبعض القطن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mtt4tpm6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"