اهتمام أوروبا المفرط بقضية المناخ

21:22 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

أصبح من الشائع ملاحظة تزايد تساؤلات الكثيرين، لاسيما على منصات التواصل الاجتماعي الرصينة، عن أسباب الحماس المفرط من جانب الاتحاد الأوروبي ومفوضيته في بروكسل، لقضية تغير المناخ. فمن بين سائر فرق التفاوض المختلفة في كافة اجتماعات المناخ، ينبري الاتحاد الأوروبي (له تمثيل جماعي في هذه المفاوضات)، للبروز والظهور بمظهر المتزعم وصاحب الصوت الأعلى والحاسم في تقديم المقترحات والمبادرات والمزايدة على باقي أطراف التفاوض، ولكأنه هو الوحيد الذي يحمل هموم قضية المناخ على أكتافه.

في الواقع، لقد نجحت النخب السياسية الأوروبية الحاكمة، في فرض موضوع المناخ على برامج الأحزاب السياسية الأوروبية، ليتحول إلى مادة للمزايدات الانتخابية لدى أوساط شعبية تمكنت وسائط الإعلام السائدة من سربلته إلى وعي قطاعات واسعة من جمهورها. ولذلك، فإن السردية البحثية والإعلامية المنصرفة لتقسيم ولاءات الجمهور من قضية المناخ، على أساس سياسي، هي سردية مضللة في أحسن الأحوال. فليس صحيحاً أن ما يسمى بأحزاب اليسار، مؤيدة بالمطلق «لمشروع» المناخ، أو أن أحزاب اليمين، معارضة بالمطلق لسياسات المناخ. الأهم هو ما تقرره النخب الحاكمة، وجلها من البيروقراطيين التنفيذيين غير الخاضعين للانتخاب أو المحاسبة.

لهذا خلصت دراسة أعدها ونشرها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، خمسة من الباحثين في مجال المناخ وقياس مزاج الرأي العام الأوروبي ومدى تسييسه في قضية المناخ – إلى أن عدم اعتقاد الناخبين الأوروبيين من مختلف ألوان الطيف السياسي بعلم المناخ على نطاق واسع، هو علامة قوية بشكل خاص على أن تغير المناخ أصبح مسيّساً على مستوى جماهيري في أوروبا الغربية (https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0261379422000580).

المواقف المتناقضة من قضية المناخ لدى مختلف شرائح المجتمعات الغربية، ما بين مناصرة رعاتها ودُعاتها، وما بين اللامبالاة وعدم تصديقهم، ليست نابعة من تقسيم الولاءات على أساس حزبي، كما تحاول بعض الأوساط البحثية والأكاديمية والإعلامية الغربية الإيحاء به من خلال استطلاعات الرأي، بقدر ما هو ناتج عن توزع ولاءات أحزاب الطبقة السياسية الغربية على مروحة من مراكز القوى ذات المصالح المتوزعة هي الأخرى على قطاعات اقتصادية وشركات معروفة بانحيازاتها في تمويل الحملات الانتخابية لأفراد الطبقة الغربية الحاكمة. فليس صحيحاً أن أحزاب الخضر منحازة لقضايا المناخ بينما تناوئها أحزاب اليمين. فحتى أحزاب الخضر تتقاطع أجنداتها مع مصالح الشركات والمؤسسات ذات التوجهات الطاقوية الجديدة.

في إطار سعي الطبقة السياسية الأوروبية الحاكمة لإبراز وزن الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية في العلاقات الدولية، فقد اُعطيَ البرلمان الأوروبي الذي يضم 705 أعضاء يمثلون الدول ال27 الأعضاء، دورٌ متزايد في تقرير بعض السياسات الخارجية، ومن بينها ملف تغير المناخ. فهو من دفع بالأجندة الخضراء (ديسمبر/كانون الأول 2019)، وكان وراء العديد من التشريعات المناخية. ونشاطه واضح وملحوظ في أروقة مفاوضات المناخ، من خلال مشاركاته في اجتماعات ما قبل وأثناء مفاوضات مؤتمرات الأطراف. فنوابه يعقدون اجتماعات منتظمة مع وفد البرلمان الأوروبي المشارك في مفاوضات مؤتمرات الأطراف للحصول على آخر المعلومات حول تطورات هذه المفاوضات. كما يجتمعون مع وفود الدول الأخرى المشاركة في المفاوضات.

المرصد الأوروبي للوسائط الرقمية (European Digital Media Observatory – EDMO) التابع لمعهد الجامعة الأوروبية (European University Institute -EUI)، كشف في تقريره الشهري، أن المعلومات المضللة حول تغير المناخ أخذت في الارتفاع في الاتحاد الأوروبي منذ يونيو/حزيران 2022. وحمّل المرصد مسؤولية ذلك إلى وسائل الإعلام التي روّجت لموجة الحر الاستثنائية، وتلاشي الاهتمام بالموضوعات الأخرى التي سيطرت على مشهد المعلومات خلال الأشهر السابقة، مثل الحرب في أوكرانيا، و«كوفيد-19» ولاحظ المركز زيادة انتقادات الإعلام الموازي للإعلام التقليدي بتعمد نشر الذعر غير المبرر في العالم بشأن تغير المناخ.

لهذا سعى الاتحاد الأوروبي من جديد لاستضافة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29)، بإيعازه لبلغاريا تقديم طلب الاستضافة؛ حيث إن هذه الاستضافة في عام 2024، من نصيب أوروبا الشرقية. لكن اعتراض روسيا على استضافة إحدى دول الاتحاد الأوروبي (بلغاريا) للنسخة القادمة من مؤتمر الأطراف (COP-29)، منح الفرصة لأذربيجان لاستضافتها.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4vy72sx6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"