سؤال يوجب التوقّف من الأستاذ صفوان بركجي: «ما الذي قصدته بأن الإرادة الثقافية لم تُبرمَج على الشحن الذاتي، بعد كل كبوة أو فاجعة؟ ما كنه هذا الشحن؟ ثم إنك بنيتَ الفعل للمجهول، تُبرمج، من المطلوب منه أو المسؤول عن الإرادة الثقافية؟».
رائع أن يكون القارئ قارئاً، فوعي الشعوب هو ضامن حياة البلدان.
الشحن الذاتي بعد كل حادثة مأساوية، هو أن تَقطع الحادثاتُ جذع الشجرة فينمو الجذع وتتفرع الأغصان وتورق وتثمر ثانية. هذه هي البرمجة الطبيعية، الإرادة البيولوجية. الصين مثلاً، أُهينت وهي إمبراطورية ذات تسعة ملايين كم2، مع حضارة آلاف السنين، فعل بها الإنجليز والفرنسيون ما فعله المتحضّرون الجدد بالعراق وسوريا وليبيا، والبقية على الطريق. فيكتور هوجو، الأديب الفرنسي الكبير، لم يصرخ في حياته صرخاته في وجه عبث الغرب بالصين. كانت المديونية البريطانية نجوميّة، فوسوست لهم المكيافلليّة بأنهم لو زرعوا الصين أفيوناً وأجبروا الشعب على الإدمان، لحُلّت مشكلة الديون، وكان ما كان في حربين أفيونيّتين. لكن التنّين هبّ من رماد الأفيون. هل يستطيع بيت غربي اليوم العيش من دون كل شيء صيني؟ ذلك هو الشحن الذاتي.
لا نظير لهيروشيما ونجازاكي. ذلك هو الشحن الذاتي. ألمانيا بمشروع مارشال أو من دونه نهضت. ما رأيك في ستالينجراد؟ هل تعرف لمعركتها نظيراً؟ ثم ظهر بوتين بعد يلتسين. قال عنه بايدن: «أسوأ ما في بوتين هو أنه أمضى عشرين سنة في تقوية روسيا». هو يراه الأسوأ لأنه قضى عقدين في إعلاء راية وطنه!
الآن ما الذي يمكن أن نستخلصه؟ هل تعلّم العرب شيئاً من دروس مسلسلات النكبات والنكسات والانهيارات المتتالية التي هشّمت بلداناً و«هرشمت» أخرى؟ العالم العربي اليوم كأنه حصاد الهشيم. أين الإرادة الثقافية لإعادة الشحن الذاتي؟ ثمّة شيء ضيّعته الأمة العربية، إنه يشبه الخميرة المتجددة القابلة للحياة. إنه ثقافة البرمجة الذاتية للشحن الذاتي. تأمّل الانضباط الذي يشبه القانون العام العمومي، وشعبيّة الفنون القتاليّة في بلدان الشرق الأقصى، ففي تناول الشاي انضباط، وفي أداء الفرق الموسيقية. من 1949 لم تُضِع الصين ساعةً عبثاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة التأسيسيّة: ثقافة الشحن الذاتي تبدو كأنها في المورّثات والحمض النووي، فإذا كبا صاحبها نهض. على الأسرة والمدرسة علاج هذه الأعطال في بطاريّة الشخصية العربيّة.