عادي

عذب الكلام

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

من فن الإغراب، في البلاغة الشعرية، قول أبي نواس:

ومُظهِرَةٍ لِخَلْقِ اللهِ بُغْضاً

وتُلْقى بالتَّحِيَّةِ والسَّلامِ

أَتَيْتُ فؤادَها أَشْكو إِلَيْهِ

فَلَمْ أَخْلُصْ إِلَيْهِ مِنَ الزِّحامِ

فيا مَنْ لَيْسَ يَكْفيهِ خَليلٌ

ولا أَلْفا خَليلٍ كُلَّ عامِ

أراكِ بَقِيَّةً مِنْ قَوْمٍ مُوسى

فَهُمْ لا يَصْبِرونَ على طَعامِ

فهذه التشبيهات الغريبة، لم يُسبَق إليها.

وقول الأحوص:

وما هَجَرَتْكِ النَّفْسُ يا مَيُّ أنّها

قَلَتْكِ، ولا أَنْ قَلَّ مِنْكِ نَصيبُها

ولكنَّهم، يا أَمْلحَ النّاسِ، أولِعوا

بِقَوْلٍ، إذا ما جِئْتُ، هذا حَبيبُها

فهو قلّل زياراتها، بسبب ثرثرة الناس.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

أَتُراها تَظُنُّني

ناصح الدين الأرجاني (بحر الخفيف)

أَتُراها تَظُنُّني الطَّيْفَ لُطْفاً

فَتراني ولَيْسَ تَرْفَعُ طَرْفا

كُلّما زُرْتُها تَخالُ خَيالاً

زارَ مِنّي فَتَكْسِرُ الطَّرْفَ ظَرْفا

عَجِبَتْ أنّني وقَدْ نَزَفَتْني

في اكْتِئابي لَواعجُ الشّوْقِ نَزْفا

أَتبدَّى لِلْعَيْنِ شَخْصاً ولا أُو

جَدُ شَيْئاً إنْ أَلْمَسَتْنِيَ كَفّا

جَلَّ سُقْمي ودَقَّ جِسْمي نُحولاً

فهْو يَخْفَى وما بِه لَيْس يَخْفَى

أَيُّها النّائمونَ عَنْ سَهَرِ الصَّبْ

بِّ إذا هَوَّم الخَلِيُّ وأغْفَى

ما عَرَفْتُ الرُّقادَ بالعَيْنِ طَعْماً

فَصِفوهُ أعرِفْهُ بالأُذْنِ وَصْفا

سَلَبتْنيهِ ظَبيةٌ تَرَكَتْني

مُقْلتاها ما عِشْتُ للوَجْدِ حِلْفا

غادَةٌ وَرْدُ خَدِّها وَسْطَ شَوْكٍ

مِنٍ قَنا قَوْمِها إذا شِئْتُ قَطْفا

رمَتِ العَيْنُ جَمْرةَ الخَدِّ مِنْها

بحصَى الدُّرِّ غُدْوةَ البَيْنِ خَذْفا

ثُمّ سارَتْ وفي الجَوانحِ منّي

خُرَقٌ غادرَتْ فؤاديَ رَضْفا

من أسرار العربية

كل كلمة تبدأ بحرف «الكاف» غالباً ما تعطي معنى الاحتواء، مثل: «كيس، كَوْكب، كَهْف، كَفَن، كَفّ؛ قال الأعشى:

أَرَى رجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما

يضمُّ إلى كَشْحَيْه كَفّاً مُخَضَّبا

وكل كلمة تبدأ بحرف «الغَين» غالباً ما تُعطي معنى الضّبابية وعدم الوضوح، مثل «غَيْم، غَمام، غُبار، غَدر، غَباء عدم وضوح الشيء أو تمييز الحقيقة»؛ قال ابن الرقاع:

أَلا رُبَّ لَهْوٍ آنِسٍ ولَذاذَةٍ

من العَيْشِ يُغبِيِه الخِباءُ المُسَتَّرُ

كل كلمة تحتوي على حرفي «الجيم والنون» تعطي معنى الخفاء والاستتار، مثل «الجَنين، الجِن، الجَنّة وهي الأرض التي أُحيطت بالأشجار فلا يظهر ما بداخلها، الجُنون وهو الذي خفي عقله واستتر؛ والعرب تسمِّي النخيل جَنّةً»؛ قال زهير:

كَأَنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ

من النَواضِحِ تَسْقي جَنّةً سُحُقا

هفوة وتصويب

كُثرٌ يستخدمون هذا التعبير «وقَدْ أَدْمنَ على كَذا..»، وهو خطأ والصواب «أَدْمَنَ كذا» لأنّ «أَدْمَنَ» يتعدّى بنفسه؛ وفي المعجم «أَدْمَنَ الشَّرابَ وغيرَه»: لم يُقْلِعْ عنه؛ وقال ثعلب:

فَقُلنا: أَمِنْ قَبْرٍ خَرَجْتَ سَكَنْتَه

لكَ الوَيْلُ أَمْ أَدْمَنْتَ جُحْرَ الثَّعالِبِ معناه: لزمتَه وأَدْمَنْت سُكناه.

وترد هذه العبارة في بعض وسائل الإعلام «وقد رصدت الحكومة مبلغاً من المال لمشروع..»، وهي خطأ، والصّواب «أرصدت الحكومة...»؛ يعني أعدّت. وأَرصَدَ له الأَمر: أَعدّه. وفي صحيح اللغة: رَصَدَه بالخير وغيره يَرْصُدُه رَصْداً ورَصَداً: يرقبه. والتَّرَصُّدُ: الترقب. والمَرْصَدُ والمِرْصادُ: الطريق؛ قال عديّ بن زيد:

أعاذلُ إنَّ الجَهْلَ مِنْ لَذَّةِ الفَتى

وإِنَّ المَنايا للرّجالِ بِمَرْصَدِ

من حكم العرب

لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلّا غَيْرَ مُكْتَرِثٍ

ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدَنُ

فَما يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ

ولا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ

البيتان لأبي الطيّب المتنبّي، يقول فيهما ما دام روحك في الجَسد، فلا تبالِ بحوادث الدهر، فإنها لا تدوم، ولا تبال بأهل الدهر ما دمت حيّاً. وسرورك بمواتاة الدهر لا يديم ذلك لك. وجزعك على ما يفوتك منه لا يردّه عليك، فلا تفرح بلذّة إن وصلت إليك، ولا تحزن عليها إن فاتتك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9yxzc3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"