«رأس الحكمة».. شراكة الإمارات

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

وقعت الإمارات ومصر اتفاقية شراكة استثمارية تاريخية، في 23 فبراير/شباط المنصرم، بموجبها تقوم الشركة «القابضة» (ADQ)، وهي شركة استثمارية تتخذ من إمارة أبوظبي مقراً لها، باستثمار 35 مليار دولار في شبه جزيرة «رأس الحكمة»، وهي منطقة ساحلية على بعد نحو 350 كم شمال غربي القاهرة، تُقدر مساحتها ب 170مليون متر مربع.

وتتضمن رؤية التطوير أنْ تصبح «رأس الحكمة» مدينة الجيل المقبل، ووجهة رائدة على البحر المتوسط لقضاء العطلات الصيفية، ومركزاً مالياً إقليمياً رئيسياً، ومنطقة حرة، مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى. وسوف تضم المدينة مناطق استثمارية، وصناعات خفيفة وتكنولوجية، ومتنزهات ترفيهية، ومرسى ومطاراً دولياً، إضافة إلى مشاريع أخرى سياحية وسكنية.

ومن شأن مشروع رأس الحكمة أنْ يُضيف مركزاً جديداً لخريطة السياحة الدولية في منطقة البحر المتوسط، يستقطب نحو 8 ملايين سائح سنوياً، وينافس مدنها السياحية الرئيسية، وعلى رأسها المدن التركية الساحلية، مثل أنطاليا ومرمريس.

ومن المضامين التنموية الأخرى للشراكة الإماراتية-المصرية في شبه جزيرة «رأس الحكمة» أنّ الاستثمارات الإماراتية وهي أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، وأكبر من القرض الذي تكافح مصر للحصول عليه من البنك الدولي والمقدر ب 10مليارات دولار كحد أقصى سوف تُعطي دفعة قوية للاقتصاد المصري المأزوم، في وقت تواجه الحكومة المصرية ضغوطاً كبيرة بسبب الحرب في غزة، وتعزز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر. وفي هذا الصدد، أشارت مؤسسة «غولدمان ساكس» الأمريكية أن استثمارات «رأس الحكمة» ستوفر سيولة كافية لتغطية فجوة التمويل في مصر على مدى السنوات الأربع المقبلة. وطبقاً ل «فيكتور زابو»، مدير الاستثمار لدى «أبردن إكويتي إنكوم تراست بي إل سي» في لندن، أن مشروع «رأس الحكمة» تطور جيد، وسيساعد على النمو بالتأكيد، وستشهد مصر فوائد أكبر على المدى المتوسط.

ولعل أكبر مضمون تنموي مستدام لمشروع مدينة «رأس الحكمة» هو جذب السكان والاستثمارات من الوادي الضيق، الذي لا يمثل سوى 6.5% من مساحة مصر الكلية، لكنه يكتظ بنحو 95% من سكانها، إلى الساحل الأوسع والأرحب في شمال البلاد. ولنتذكر، في هذا الخصوص، أنّ الرئيس عبدالفتاح السيسي أعلن أنّه يهدف إلى توسيع المساحة المسكونة من البلاد إلى أكثر من 12%؛ أي إلى الضعف تقريباً.

وتوصف الشراكة الاقتصادية بين الإمارات ومصر بأنها متكاملة؛ بالنظر إلى حجمها المتنامي؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال 22 عاماً فقط 68 مليار دولار. كما أن دولة الإمارات هي المستثمر الأكبر في مصر؛ حيث بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر 5.7 مليار دولار، في العام المالي 2022/2021. وهناك أكثر من 1200شركة إماراتية تعمل في السوق المصري. وتغطي الشراكة المصرية- الإماراتية قطاعات اقتصادية حيوية، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والصناعة والخدمات والتمويل والسياحة، من دون الحديث عن تحويلات المصريين المقيمين بالإمارات، التي بلغت 3.5 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2021.

وقد سبق أن أشرتُ في مقالٍ سابق إلى تجلٍ بارز للشراكة المصرية-الإماراتية في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر. ولعل اختراق محوري محمد بن زايد الشمالي والجنوبي العاصمة الإدارية من أقصاها إلى أقصاها، تدل على أن الإمارات في قلب مصر، وأن كلمات حكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عن أن «مصر بالنسبة للعرب هي القلب»، صارت واقعاً يمشي على الأرض.

وبالجملة، تتسم العلاقات الإماراتية-المصرية بكونها تاريخية وإنسانية، تجسد شراكة اقتصادية متكاملة بين الدولتين، وتتضمن تحالفاً سياسياً متيناً. وقد نجح مسار العلاقات الإماراتية-المصرية، الذي يعود إلى ما قبل تأسيس دولة الاتحاد عام 1971، في اختبار كسب العقول والقلوب، حيث ارتبطت الإمارات وشعبها بعلاقات إنسانية حميمية مع مصر وشعبها. ولذلك، تجده مساراً قوياً لا يتأثر بالطوارئ أو بالأزمات.

فحب مصر هو خلاصة «وصية زايد» إلى أبنائه وشعبه «بأن يكونوا دائماً إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم»؛ ولأن «نهضة مصر نهضة للعرب كلهم». وأكد حكيم العرب قبل رحيله «إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة».

ولنتذكر الموقف الحازم الذّي اتخذته دولة الإمارات في دعمها لثورة يونيو/حزيران 2013 في مصر ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين «الإرهابية»، وما تلاها من إجراءات سياسية في الثالث من يوليو/تموز من العام ذاته، والتي تضمنت إعلان خريطة مستقبل للبلاد. وقدمت دولة الإمارات، ولا تزال تقدم، للجمهورية الجديدة في المحروسة بقيادة الرئيس السيسي، دعماً سياسياً واقتصادياً كبيراً، أسهم مساهمةً كبيرة في الحيلولة دون انهيار الاقتصاد المصري، أو تحول مصر إلى دولةٍ رخوة. وقد وجد هذا الدعم الإماراتي صدى طيباً لدى الشعب المصري، وانعكس ذلك في «تظاهرات شكراً الإمارات» التي عمت مدن البلاد.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/394m5wcm

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"