مقياس إجمالي الناتج محل تساؤل

23:00 مساء
قراءة 6 دقائق

د. محمد الصياد*

الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product - GDP)، هو مؤشر لقياس القيمة النقدية لكافة السلع والخدمات النهائية التي يتم إنتاجها داخل حدود دولة معينة في فترة زمنية محددة (هي في العادة سنة)، بغرض بيعها في السوق على المشترين أو المستهلكين النهائيين لها. وهو يشمل أيضاً بعض الإنتاج غير السوقي، مثل خدمات الدفاع أو التعليم التي توفرها الحكومة. ورغم قِدم اكتشافه الذي تنسبه بعض المصادر إلى القرن السابع عشر، إلا أنه اعتُمد في الواقع كمؤشر قياسي رئيسي لأداء اقتصادات البلدان، في عام 1944 في مؤتمر بريتون وودز ضمن حزم قراراته النقدية العالمية. والمؤشر الثاني النظير له هو إجمالي الناتج القومي أو الوطني (Gross National Product – GNP)، الذي تشمل عملية قياسه، إلى جانب السلع والخدمات المنتَجة داخل الدولة، تلك التي تُنتج خارجها وتعود ملكية أصولها إلى الدولة أو مواطنيها.

في عام 1993 قام صندوق النقد الدولي، ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، بتضمين معيار دولي موحد لقياس الناتج المحلي الإجمالي في نظام الحسابات القومية لعام 1993 «System of National Accounts, 1993». وكما هو ملاحَظ، فإن جميع هذه الجهات تمثل وجهة النظر الغربية في القراءات والتحليلات الاقتصادية. وقد استشكل عليها كيفية التعامل مع فارق القيمة الحقيقية لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي «Real GDP» (إجمالي الناتج المحلي الاسمي مخصوم منه التضخم) الذي تنتجه الدول النامية والاقتصادات الصاعدة. ذلك أن المؤشر يقاس بالعملة المحلية للدولة محل القياس. فكان لا بد من وجود رديف للإجمالي أُطلق عليه إجمالي الناتج المحلي بمُعادِل القوة الشرائية (GDP Purchasing Power Parity - PPP). ففي حين تتقارب قيمة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع قيمته بمقياس معادل القوة الشرائية في الدول المتقدمة، فإن كثيراً من السلع تباع في الدول النامية والصاعدة بأسعار تقل بنسبة تصل إلى وتفوق أحياناً 20% من قيمة مثيلاتها في الدول المتقدمة. لذلك اضطرت المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي لإيراد المؤشرين للقياس.

في أكتوبر 2023، وضع صندوق النقد الدولي في قاعدة بياناته لآفاق الاقتصاد العالمي، روسيا في المرتبة الحادية عشرة بين أكبر الاقتصادات في العالم في 2022 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والسادسة من حيث معادل القوة الشرائية (PPP). فيما وضعها البنك الدولي في المرتبة الخامسة بإجمالي ناتج محلي بمعادل القوة الشرائية، بلغ 5.33 تريليون دولار (https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.PP.CD?locations=RU). هذا التغاير في التقدير ناتج عن اختلاف منهجية القياس التي يتبعها كل من الصندوق والبنك الدوليين في حساب إجمالي الناتج المحلي بمعادل القوة الشرائية، من حيث القيمة المطلقة للناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية، مقيسة بالدولار الحالي، والقيمة المطلقة للناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية مقيسة بالدولار الدولي الثابت لعام 2017، وحصص البلدان في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعادل القوة الشرائية مقيسة أيضا بالدولار الثابت. فقط النهج الأول من هذه الأساليب الثلاثة (الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الحالي)، يدعم الحجة القائلة بأن روسيا أصبحت صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وخامس أكبر اقتصاد في العالم في عام 2022. لكن النهجين الآخرين (الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الثابت، وحصة الدولة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الثابت)، لا تؤيدان الفرضية، ما يعني أن روسيا تحل ثانياً بعد ألمانيا كأكبر اقتصاد في أوروبا، وتحل سادساً على مستوى الاقتصاد العالمي.

صندوق النقد الدولي الأكثر تحفظاً (من البنك الدولي) في تقديراته للأداء الكمي للاقتصاد الروسي، يتوقع أن تنخفض حصة روسيا في الناتج المحلي العالمي على أساس معادل القوة الشرائية بحلول عام 2028، بواقع 11.6%، من 2.92% في عام 2022 إلى 2.58% في عام 2028، ما سيضعها، بموجب هذا المؤشر، في المرتبة التاسعة عالمياً.

طبعاً الآن وقد بات التسييس سيد الموقف في القراءات والتحليلات والتقييمات الاقتصادية، فإن من الصعب التثبت من حقيقة البيانات ذات الصلة بموضوع القراءة والتحليل والتقييم. إلا أن الأكيد أن روسيا لم تتخلص بعد من تشوهات هيكلها الاقتصادي ووحداته المنتِجة لإجمالي الناتج المحلي. فما زال الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربون، لنواحي دالة الاستهلاك في معادلة ال GDP، ودالة التصدير المحفز لنموه، وتأمين جزء كبير من إيرادات الموازنة العامة. لذلك، يجب ألا تركن روسيا لغواية مؤشر الناتج المحلي بمعادل القوة الشرائية، وإنما العمل على مضاعفة معدلات نموها الاقتصادي كي تقبض فعلياً وواقعياً على المرتبة الخامسة عالمياً في إجمالي الناتج المحلي الاسمي (Nominal GDP) التي تحتلها ألمانيا حتى الآن.

الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product - GDP)، هو مؤشر لقياس القيمة النقدية لكافة السلع والخدمات النهائية التي يتم إنتاجها داخل حدود دولة معينة في فترة زمنية محددة (هي في العادة سنة)، بغرض بيعها في السوق على المشترين أو المستهلكين النهائيين لها. وهو يشمل أيضاً بعض الإنتاج غير السوقي، مثل خدمات الدفاع أو التعليم التي توفرها الحكومة. ورغم قِدم اكتشافه الذي تنسبه بعض المصادر إلى القرن السابع عشر، إلا أنه اعتُمد في الواقع كمؤشر قياسي رئيسي لأداء اقتصادات البلدان، في عام 1944 في مؤتمر بريتون وودز ضمن حزم قراراته النقدية العالمية. والمؤشر الثاني النظير له هو إجمالي الناتج القومي أو الوطني (Gross National Product – GNP)، الذي تشمل عملية قياسه، إلى جانب السلع والخدمات المنتَجة داخل الدولة، تلك التي تُنتج خارجها وتعود ملكية أصولها إلى الدولة أو مواطنيها.

في عام 1993 قام صندوق النقد الدولي، ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، بتضمين معيار دولي موحد لقياس الناتج المحلي الإجمالي في نظام الحسابات القومية لعام 1993 «System of National Accounts, 1993». وكما هو ملاحَظ، فإن جميع هذه الجهات تمثل وجهة النظر الغربية في القراءات والتحليلات الاقتصادية. وقد استشكل عليها كيفية التعامل مع فارق القيمة الحقيقية لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي «Real GDP» (إجمالي الناتج المحلي الاسمي مخصوم منه التضخم) الذي تنتجه الدول النامية والاقتصادات الصاعدة. ذلك أن المؤشر يقاس بالعملة المحلية للدولة محل القياس. فكان لا بد من وجود رديف للإجمالي أُطلق عليه إجمالي الناتج المحلي بمُعادِل القوة الشرائية (GDP Purchasing Power Parity - PPP). ففي حين تتقارب قيمة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع قيمته بمقياس معادل القوة الشرائية في الدول المتقدمة، فإن كثيراً من السلع تباع في الدول النامية والصاعدة بأسعار تقل بنسبة تصل إلى وتفوق أحياناً 20% من قيمة مثيلاتها في الدول المتقدمة. لذلك اضطرت المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي لإيراد المؤشرين للقياس.

في أكتوبر 2023، وضع صندوق النقد الدولي في قاعدة بياناته لآفاق الاقتصاد العالمي، روسيا في المرتبة الحادية عشرة بين أكبر الاقتصادات في العالم في 2022 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والسادسة من حيث معادل القوة الشرائية (PPP). فيما وضعها البنك الدولي في المرتبة الخامسة بإجمالي ناتج محلي بمعادل القوة الشرائية، بلغ 5.33 تريليون دولار (https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.PP.CD?locations=RU). هذا التغاير في التقدير ناتج عن اختلاف منهجية القياس التي يتبعها كل من الصندوق والبنك الدوليين في حساب إجمالي الناتج المحلي بمعادل القوة الشرائية، من حيث القيمة المطلقة للناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية، مقيسة بالدولار الحالي، والقيمة المطلقة للناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية مقيسة بالدولار الدولي الثابت لعام 2017، وحصص البلدان في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعادل القوة الشرائية مقيسة أيضا بالدولار الثابت. فقط النهج الأول من هذه الأساليب الثلاثة (الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الحالي)، يدعم الحجة القائلة بأن روسيا أصبحت صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وخامس أكبر اقتصاد في العالم في عام 2022. لكن النهجين الآخرين (الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الثابت، وحصة الدولة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعادل القوة الشرائية بالدولار الثابت)، لا تؤيدان الفرضية، ما يعني أن روسيا تحل ثانياً بعد ألمانيا كأكبر اقتصاد في أوروبا، وتحل سادساً على مستوى الاقتصاد العالمي.

صندوق النقد الدولي الأكثر تحفظاً (من البنك الدولي) في تقديراته للأداء الكمي للاقتصاد الروسي، يتوقع أن تنخفض حصة روسيا في الناتج المحلي العالمي على أساس معادل القوة الشرائية بحلول عام 2028، بواقع 11.6%، من 2.92% في عام 2022 إلى 2.58% في عام 2028، ما سيضعها، بموجب هذا المؤشر، في المرتبة التاسعة عالمياً.

طبعاً الآن وقد بات التسييس سيد الموقف في القراءات والتحليلات والتقييمات الاقتصادية، فإن من الصعب التثبت من حقيقة البيانات ذات الصلة بموضوع القراءة والتحليل والتقييم. إلا أن الأكيد أن روسيا لم تتخلص بعد من تشوهات هيكلها الاقتصادي ووحداته المنتِجة لإجمالي الناتج المحلي. فما زال الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربون، لنواحي دالة الاستهلاك في معادلة ال GDP، ودالة التصدير المحفز لنموه، وتأمين جزء كبير من إيرادات الموازنة العامة. لذلك، يجب ألا تركن روسيا لغواية مؤشر الناتج المحلي بمعادل القوة الشرائية، وإنما العمل على مضاعفة معدلات نموها الاقتصادي كي تقبض فعلياً وواقعياً على المرتبة الخامسة عالمياً في إجمالي الناتج المحلي الاسمي (Nominal GDP) التي تحتلها ألمانيا حتى الآن.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rwzbbhb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"