الإمارات واستراتيجية الغذاء العالمي

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد خليفة

الغذاء هو العنصر الأساسي لحياة البشر، وتجود الأرض على ساكنيها بأغلبية هذا الغذاء، إما بطريقة مباشرة عن طريق ما تنبته الأرض، وإما بطريقة غير مباشرة عن طريق المصادر الحيوانية التي تأكل كذلك من خشاش الأرض، وقد تجود الأرض والبحار بالثروات الطبيعية في باطنها من مصادر الطاقة والمعادن، كثروة تيسّر سبل الحصول على الغذاء، وتدعم اقتصاداً قوياً قادراً على مواجهة التحديات، وتعويض التربة الشحيحة بالغذاء.

فيما سلف من القرون الغابرة لم تكن هناك أية مشكلة في توافر الغذاء، ولم يكن ثمة من يتخوف من نقص الغذاء في الأرض، لأن الزيادة السكانية لم تكن بهذا الحجم المتزايد، كذلك كانت الشعوب تعيش حياة بسيطة في غذائها، من دون هدر معتمد على ما تجود به الأرض من أرزاق مختلفة، في البر والبحر.

ومع حدوث الثورة الصناعية، وتطور الطب، ووسائل الحماية والعلاج من الأمراض، حدثت زيادة هائلة في أعداد البشر، في المقابل، تناقصت المساحة المزروعة بسبب التصحر من جانب، والامتداد العمراني الذي زحف على الأراضي الصالحة للزراعة، ترافق ذلك مع ظهور الوظائف والعمل في الدواوين والمؤسسات، حيث بدأ الزحف نحو المدينة، فظهرت مدن كثيرة عبر العالم، فيها تجمعات بشرية ضخمة تعتمد على ما يأتيها من الريف من غذاء، وهو قليل، وقد أضحت أغالبية سكان العالم اليوم تسكن المدن، وأصبحت أقلية من السكان، أقل من 30 في المئة، تعيش في الريف، والبعض منهم ينتظر الفرص السانحة للهجرة إلى أقرب مدينة.

وقد أدت الهجرة من الريف إلى تناقص الإنتاج الزراعي، ما أدى إلى حدوث تراجع في كميات الغذاء عبر العالم، وقد ظهرت مطلع القرن الجاري، أزمة غذاء عالمية واسعة، وتداعت دول عدة، العربية منها وغير العربية، إلى القيام بمشروعات زراعية كبيرة داخل أراضيها، أو في دول أخرى، من أجل تأمين الغذاء لشعوبها. وقد وقفت أزمة الغذاء عند حدود القلق المعرفي، ونبّهت الدول والشعوب إلى ضرورة الاهتمام بالأرض بكونها المصدر الرئيسي للغذاء.

اندفعت دول كثيرة، بخاصة في العالم النامي، إلى الاهتمام بالريف، لتثبيت السكان في قراهم، ومزارعهم، وإيقاف زحفهم نحو المدن، من أجل استمرارية الإنتاج الزراعي والحيواني، وحرصت الدول المتقدمة على تشجيع قاطني الريف على العمل والإنتاج، وحفزتهم، ووفرت لهم كل السبل والوسائل التي يحتاجونها، كما أن الثورة التكنولوجية قد أدلت بدلوها في هذا الجانب، من حيث الأدوات التي توفر للفلاح جهده في العمل، وتعينه على الإنجاز في الزراعة، والحصاد، والنقل، وغيرها من مراحل الزراعة، إضافة إلى الهندسة الوراثية التي ضاعفت إنتاجية المحاصيل، وقضت على الآفات التي تؤثر في الإنتاجية، إضافة إلى الأسمدة، الطبيعية وغير الطبيعية، التي تسهم في زيادة الإنتاج، والعمل على رفاهية الفلاح.

ويحظى ملف الأمن الغذائي بأولوية استراتيجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتتوالى توجيهات القيادة الرشيدة بضرورة الاهتمام بالزراعة والإنتاج الزراعي وتربية الماشية والاهتمام بالثروة السمكية. وفي عام 2018 أطلقت حكومة دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، لزيادة الإنتاج بنسبة 30-40 في المئة، في 10 سنوات. وأيضاً تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، وأن تكون دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، بحلول عام 2051، وقد اعتمد مجلس الوزراء تشكيل مجلس الإمارات للأمن الغذائي لتعزيز منظومة حوكمة ملف الأمن الغذائي بين مختلف الجهات في الدولة، وتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.

وكشف المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، في تقرير أصدره، العام الماضي، عن مجموعة من الأرقام المتعلقة بالمحاصيل الزراعية، والثروتين السمكية والحيوانية، في الدولة، والتي أكدت أن الإمارات تمضي بخطوات واثقة نحو تعزيز منظومة أمنها الغذائي، ورفع كفاءتها بالاعتماد على المنتج المحلي. وأشار التقرير إلى تسجيل رقم قياسي في كمية إنتاج أربعة أصناف رئيسية من الخضار «الطماطم -الخيار- كوسا- باذنجان» والتي بلغت 230 ألفاً و675 طناً، فيما وصل إجمالي حجم الثروة الحيوانية إلى 5 ملايين، و1868 رأساً، في حين بلغت كمية صيد الأسماك 67 ألفاً و944 طناً. وتحرص الدولة على توفير كل مستلزمات الإنتاج الزراعي للمزارعين بأسعار مدعومة، وتقديم خدمات المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية مجاناً، فضلاً عن مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز الإنتاج الوطني ورفع معدلات الإنتاج وسلامة الغذاء العالمي.

وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، خلال زيارة سموه معرض «جلفود 2024»، منذ أسبوعين، حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على المساهمة بدور فعال في تعزير كفاءة سلاسل الإمداد العالمية، وإرساء المقومات اللازمة لضمان التدفقات السلسة للسلع والبضائع على تنوعها. وأشار سموه إلى أن دبي قادرة على القيام بدور ملموس في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.

لا شك في أن دولة الإمارات تعمل بخطى ثابتة، في ظل قيادة رشيدة تسعى دائماً إلى ديمومة التقدم والازدهار والرفاهية للمواطنين والمقيمين ولشعوب العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ak3ufbur

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"