الأسباب الحقيقية وراء حرائق الغابات

22:07 مساء
قراءة 4 دقائق

د. رامي كمال النسور *

أصبحت حرائق الغابات ظاهرة متكررة ومدمرة على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، حيث شاهدنا على القنوات الإخبارية الصيف الماضي صوراً لحرائق ضخمة للغاية في غابات العديد من دول العالم، وقد تتزامن تلك الحرائق مع بعضها مثل ما حدث في اليونان وأستراليا الصيف الماضي، وهوما يشكل تهديدات كبيرة للتنوع البيولوجي والنظم البيئية والمجتمعات البشرية.

ففي حين أنّ تغير المناخ غالباً ما يحتل مركز الصدارة في المناقشات حول تصاعد حرائق الغابات، فمن الضروري التعمق في شبكة العوامل المعقدة والمتعددة التي تسهم في هذه الأحداث الكارثية. وبعيداً عن أن نعزو السبب دائماً إلى تغير المناخ، تلعب مجموعة من الأنشطة البشرية وممارسات إدارة الأراضي والعوامل الاجتماعية والاقتصادية دوراً محورياً في تأجيج حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم.

فتعد الأنشطة البشرية من بين الأسباب الرئيسية لحرائق الغابات على مستوى العالم. وفي كثير من الحالات، تشتعل هذه الحرائق نتيجة لتصرفات بشرية عرضية أو متعمدة، مثل:

حرائق المخيمات غير المراقبة: يمكن أن تؤدي حرائق المخيمات التي تُركت دون مراقبة أو تم إطفاؤها بشكل غير صحيح إلى إشعال حرائق الغابات، خاصةً في الظروف الجافة والرياح الشديدة.

الحرق المتعمد: تشكل أعمال الحرق المتعمد، سواء لتطهير الأراضي أو التخريب أو غيرها من الأغراض الخبيثة، تهديداً كبيراً للغابات والمجتمعات المجاورة، ففي بعض الدول تحرق السلطات الغابات لتستفيد منها بعد إطفائها، كحطب للمدافئ، حيث لا يُسمح بالتحطيب حفاظاً على الغطاء النباتي.

استخدام المعدات أثناء العمل بها في مناطق الغابات المسموح بها بذلك: حيث يمكن للآلات والمعدات، مثل المناشير وآلات جز العشب وخطوط الكهرباء، أن تولد شرارات أو حرارة تؤدي إلى إشعال النباتات الجافة، خاصةً خلال الفترات التي ترتفع فيها مخاطر الحرائق.

حرق حطام الأشجار أو الأخشاب الجافة: غالباً ما تشتمل الأنشطة الزراعية وأنشطة تطهير الأراضي على حرق الحطام بشكل متحكم فيه. ومع ذلك، إذا لم تتم إدارتها أو الإشراف عليها بشكل صحيح، فمن الممكن أن تخرج هذه الحرائق عن نطاق السيطرة وتتصاعد إلى حرائق غابات.

كذلك يمكن لممارسات إدارة الأراضي، بما في ذلك إدارة أراضي الغابات وتخطيط استخدام الأراضي وسياسات إخماد الحرائق، أن تخفف أو تؤدي إلى تفاقم مخاطر حرائق الغابات:

فقد أدت جهود إخماد الحرائق على مدار القرن الماضي إلى تراكم المواد القابلة للاشتعال، مثل النباتات الميتة والنمو الكثيف في العديد من مناطق الغابات؛ يزيد هذا التراكم من شدة ومدى حرائق الغابات عند حدوثها.

وغالباً ما تفتقر المزارع الأحادية، مثل تلك المخصصة للأخشاب أو الزراعة، إلى التنوع البيولوجي وتكون أكثر عرضة لتفشي الآفات وحرائق الغابات، خاصة في ظل ضعف الإمكانات الخاصة للإطفاء.

كما أنّ التوسع الحضري يؤدي إلى زحف المستوطنات البشرية إلى مناطق الوصل بين الأراضي البرية والحضرية، ما يؤدي إلى زيادة احتمالية نشوب حرائق من صنع الإنسان ويشكل تحديات أمام جهود مكافحة الحرائق، وهذا ملحوظ في العديد من الدول في السنوات الخمسين الأخيرة بما فيها الدول العربية الزراعية أو التي كانت زراعية.

كما تسهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية أيضاً في انتشار وشدة حرائق الغابات:

فالفقر واستخدام الأراضي في العديد من المناطق، وعدم كفاية التخطيط لاستخدام الأراضي المجتمعات، يدفع إلى الانخراط في ممارسات غير مستدامة، مثل قطع الأشجار بشكل غير قانوني، والحرق، وإنتاج الفحم، ما يزيد من المخاطر من حرائق الغابات.

كما أنّ قضايا حيازة الأراضي مثل انعدام أمن حيازة الأراضي وتضارب حقوق استخدام الأراضي، يؤدي إلى إزالة الأراضي وإزالة الغابات بشكل غير منظم، ما يؤدي إلى تفاقم مخاطر الحرائق.

وكذلك موضوع تطوير البنية التحتية، مثل فتح الطرق والطرق السريعة والسدود، يؤدي إلى تفتيت الغابات وتعطيل النظم البيئية وتسهيل انتشار حرائق الغابات.

للتصدي بفعالية لآفة حرائق الغابات، هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة لمعالجة الأسباب الجذرية المبينة أعلاه، وعلى رأسها التثقيف والتوعية، حيث يمكن أن تساعد حملات التثقيف العام حول السلامة من الحرائق وممارسات الإدارة المسؤولة للأراضي، وعواقب حرائق الغابات في تقليل الاشتعال الذي يسببه الإنسان.

كما يمكن أن يؤدي إشراك المجتمعات المحلية في مبادرات الوقاية من الحرائق وإدارتها، بما في ذلك أنظمة الحرق والكشف المبكر، إلى تعزيز القدرة على مواجهة حرائق الغابات.

ويجب هنا على الحكومات وصانعي السياسات سن وتنفيذ سياسات تعزز الإدارة المستدامة للأراضي، ومعالجة الفقر وعدم المساواة، ودمج اعتبارات مخاطر الحرائق في تخطيط استخدام الأراضي واستراتيجيات التنمية.

وأخيراً، ونظراً لطبيعة حرائق الغابات العابرة للحدود، يُعد التعاون الدولي وتبادل المعرفة ضروريين لمواجهة التحديات المشتركة وتنفيذ استراتيجيات فعالة لإدارة الحرائق.

ورغم أنّ تغير المناخ يؤدي بلا شك إلى تفاقم تواتر وشدة حرائق الغابات، فمن الضروري أن ندرك الطبيعة المتعددة الأوجه للمشكلة. ومن خلال معالجة الأنشطة البشرية الأساسية، وممارسات إدارة الأراضي، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى حرائق الغابات، يمكننا العمل على بناء أنظمة بيئية ومجتمعات أكثر مرونة وأكثر تجهيزاً لمنع حرائق الغابات والاستجابة لها بشكل فعال. فقط من خلال الجهود الشاملة والتعاونية يمكننا أن نأمل في التخفيف من الآثار المدمرة لحرائق الغابات وحماية التراث الطبيعي الثمين لكوكبنا للأجيال القادمة وتعزيز الاستدامة لهذه الغابات التي هي إرث لهذه الأجيال.

* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2e6f6jyd

عن الكاتب

مستشار الأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"