كيف تدفع الصين أسعار الذهب للتحليق عالياً؟

22:40 مساء
قراءة 4 دقائق

د. رامي كمال النسور *

قبل أقل من شهر كتبت مقالاً في هذه الجريدة الغراء حول التوقعات بشأن أسعار المعدن الأصفر، وتحدثت بموضوعية عن كل العوامل التي تدفع في اتجاه ارتفاع أسعاره وخاصة مشتريات دولة الصين. حتى أنه حالياً إذا سألت الخبراء لماذا يرتفع الذهب فسيقول لك هنالك سببان هما الصين ثم الصين في تعبير سريع مجازي مرحلي حول تحليق أسعار الذهب.

واليوم أريد أن أتكلم بمزيد من التفصيل كيف تقوم الصين بالدفع في اتجاه الارتفاع الكبير للذهب.

‏فوفقاً لمجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات الصين من الذهب بنسبة 33% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024. وفي الوقت نفسه خفضت الصين مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية.

‏وفي عام 2023، بلغ صافي مشتريات بنك الشعب الصيني 225 طناً، وهو الأعلى على الإطلاق.

‏وبطبيعة الحال، لم تكن الصين البنك المركزي الوحيد الذي يشتري الذهب. واستحوذت البنوك المركزية في العالم على 1037 طناً من الذهب العام الماضي على أساس صافي، وهو ثاني أعلى مستوى على الإطلاق.

‏يعمل في البنوك المركزية اقتصاديون ومصرفيون أذكياء للغاية. ويمكنهم أن يروا ما يحدث للعملات الاحتياطية الرئيسية، وخاصة الدولار. الديون تتصاعد بشكل غير مستدام ولا توجد خطط لفعل أي شيء حيال ذلك. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، فإن تكلفة الفائدة لخدمة الدين الحكومي ترتفع بسرعة وقد تطغى على الضرائب في البلاد في السنوات القليلة المقبلة،‏ ما ورد أعلاه يمكن أن يؤدي إلى أزمة العملة.

‏ويدرك محافظو البنوك المركزية الأذكياء أنهم في حاجة إلى خطة بديلة. ولهذا السبب يشترون الذهب.

‏وأيضاً في الصين فإن الطبقة الوسطى فيها تغير عادتها الادخارية نحو الذهب، ولهذا أسباب عديدة، حيث قامت الطبقة المتوسطة الصينية بتجميع مدخراتها عن طريق شراء العقارات. الشقق بشكل رئيسي. لقد خرج هذا النوع من الادخار من النافذة. أسعار العقارات تنهار وملايين الشقق فارغة. ومن المتوقع أن ينخفض ​​عدد سكان الصين بشكل كبير في العقود المقبلة. شركات العقارات تنهار. المستثمرون الذين التزموا بشراء العقارات بناءً على المخططات يُتركون مع مبانٍ نصف مكتملة ولا يحق لهم الرجوع. خلاصة القول: انتهى الاستثمار العقاري.

أيضاً سوق الأسهم الصينية. تعد الأسهم الصينية وهونج كونج من الأسواق الأسوأ أداءً في عامي 2023 و2024. ويتجنب المستثمرون ذلك. ويُنظر إلى السياسات غير الصديقة للأعمال التي تنتهجها الإدارة المركزية على أنها سيئة بالنسبة للأسهم. ولم تعد سوق الأوراق المالية المنطقةَ التي يرغب الصينيون في استثمار مدخراتهم فيها.

‏وهذا يبقي لهم الذهب كمصدر للاحتفاظ بالقيمة، ولذلك ترتفع مبيعات المجوهرات الذهبية وسبائك الذهب في الصين بنسبة 60% سنوياً. المواطن العادي من الطبقة المتوسطة يخزن مدخراته الزائدة في الذهب.

ويساعد على ذلك أنه ‏لدى الجمهور الصيني ثلاث طرق سهلة لشراء الذهب وسبائك الذهب.

‏1) من أي من عشرات الآلاف من محلات المجوهرات في الصين. يعرضون جميعاً أسعارهم حسب «الوزن × سعر الذهب + رسوم العمالة».

‏2) باستخدام التطبيق الذي يستخدمه كل شخص صيني لإجراء المعاملات اليومية، والمعروف باسم «WeChat». مع هذا التطبيق من الممكن شراء ما لا يقل عن جرام واحد من الذهب (نحو 80 دولارا).

‏3) مباشرة من بورصة شنغهاي للذهب حيث الشراء الأكثر شيوعاً هو سبيكة 100 جرام نقية بنسبة 99.99% (نحو 7000 دولار). ويشتري أكثر من 10 ملايين مواطن عادي في الصين الذهب بهذه الطريقة، أو من خلال بنوكهم التي تعمل كوسيط.

‏من المرجح أن ينمو الاهتمام باستثمار الذهب من قبل السكان الصينيين بسبب انهيار أسواق العقارات والأسواق.

‏بعد وكالة موديز في ديسمبر، قامت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية بتعديل توقعات ديون الصين من مستقرة إلى سلبية.

‏إن وتيرة تراكم الديون في الصين تمثل مشكلة كبيرة. لقد تضاعف الدين العام منذ الأزمة المالية الكبرى ويتجه إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

‏والأهم من ذلك، أن إجمالي الدين ارتفع من 133% في عام 2008 إلى 272% في عام 2022. وسوف يرتفع مرة أخرى في عام 2023.

‏ويبلغ العائد الحالي على السندات الصينية لأجل 10 سنوات 2.29%، وهو مستوى منخفض للغاية بالنسبة لدولة تتوقع أن تنمو بنسبة 5% سنوياً. تعاني الصين نفس القضايا المتعلقة بالقدرة على تحمل الديون مثل أي اقتصاد رئيسي آخر.

‏وأخيراً، وهذا مهم جداً بالنسبة للذهب، وهو أن الصين وروسيا تريدان الإطاحة بالدولار الأمريكي. بمعنى أنهما تريدان جعل الذهب والفضة المال الحقيقي مرة أخرى. الأصول الثابتة التي لا يمكن طباعتها إلى ما لا نهاية. الأصول الصلبة التي لديهم الكثير منها. الأصول الصلبة التي ينتجونها.

‏وهم يعلمون أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على الدولار الأمريكي، وعندما يفقد الدولار قوته ستفقد أمريكا سيطرتها على النظام المالي العالمي، وبدلاً من الحرب التقليدية فيما بينهم، فإن هذه هي حرب مالية تؤجج أسعار الذهب.

* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ddk4z73

عن الكاتب

مستشار الأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"