عادي

عذب الكلام

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

في البلاغة: مُراعاةُ النّظيرِ، ويُسمّيهِ أصْحابُ البَديع: التّناسُبَ والائْتلافَ. وهو: جَمْعُ أمْرٍ وما يناسِبُهُ، مِنْ نَوعهِ أو ما يُلائِمُهُ مِنْ أيّ وَجْهٍ مِنَ الوُجوهِ، أو أكْثرَ، ومنهُ قَوْلُ البُحْتُريّ، في وَصْفِ الإبلِ الأنْضاءِ التي أنْحَلَها السَّيْرُ:

تَرَقْرَقْنَ كالسَّرابِ وقَدْ خُضْ

نَ غِماراً مِنَ السَّرابِ الجاري

كالقِسيِّ المُعطّفاتِ بَلِ الأسْ

هُمِ مَبْرِيّةً.. بَلِ الأوْتارِ

شَبَّهَ الإبلَ بالقِسِيّ (الرِّماح)، وأرادَ أنْ يُكرِّرَ التّشْبيهَ، فكانَ يُمْكِنُهُ أنْ يُشَبِّهَها مثلاً بالعَراجين (العناقيد) في الانْحناءِ والرّقّةِ، ولكنّهُ قَصدَ المُناسَبَةَ بَيْنَ الأَسْهُمِ والأوْتارِ، لمّا تَقدّمَ ذِكْرُ القِسيّ.

وقولُ ابنِ السّاعاتي:

وَالطَّلُّ فِي سِلْكِ الغُصُوْنِ كَلُؤْلُؤٍ

رَطْبٍ يُصَافِحُهُ النَّسِيْمُ فَيَسْقُطُ

وَالطَّيْرُ تَقْرَأُ وَالغَدِيْرُ صَحِيْفَةٌ

والرِّيْحُ تَكْتُبُ والغَمَامُ يُنَقِّطُ

فالجمعُ بينَ كلّ أمْرٍ وما يُناسبُهُ واضحٌ.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

صَريع الغَواني

(بحر الوافر)

كِتابُ فَتىً أَخي كَلَفٍ طَروبِ

إِلى خَوْدٍ مُنَعَّمَةِ لَعوبِ

صَبَوْتُ إِلَيْكِ مِنْ حُزْنٍ وشَوْقٍ

وقَدْ يَصْبو المُحِبُّ إِلى الحَبيبِ

وقَدْ كانَتْ تُجيبُ إِذا كَتَبْنا

فَيا سَقْياً ورَعْياً لِلمُجيبِ

وقَدْ قالَتْ لِبيضٍ آنِساتٍ

يَصِدْنَ قُلوبَ شُبّانٍ وشيبِ

أَنا الشَّمْسُ المُضيئَةُ حينَ تَبْدو

ولَكِنْ لَسْتُ أُعرَفُ بِالمَغيبِ

فَلَوْ كَلَّمتُ إِنْساناً مَريضاً

لَما احْتاجَ المَريضُ إِلى الطَّبيبِ

فَقُلْنَ لَها صَدَقْتِ فَهَلْ عَطَفْتُم

عَلى رَجُلٍ يَهيمُ بِكُم كَئيبِ

فَقالَتْ قَدْ بَدَتْ مِنهُ هَناتٌ

وقَدْ تَبْدو الهَناتُ مِنَ المُريبِ

وقائِلَةٍ أَفِق مِن حُبِّ سِحْرٍ

فَقُلتُ لَها جَهِلتِ فَلَم تُصيبي

أَلا يا لَيْتَني قاضٍ مُطاعٌ

فَأَقْضي لِلمُحِبِّ عَلى الحَبيبِ

من أسرار العربية

في الفروق اللغوية: بين هَوْن وهُون: الهَوْنُ: الخِزْيُ، والهُونُ، بالضّم: الهَوانُ.

والهُونُ والهَوانُ: نقيض العِزِّ، هانَ يَهُونُ هَواناً، وهو هَيْنٌ وأَهْوَنُ؛ قال ذو الإصبع:

اذهَبْ إلَيْكَ فَما أُمِّي براعِيةٍ

ترْعَى المَخاضَ ولا أُغْضِي على الهُونِ

والهَوْنُ: مَصدر هانَ عليه الشيءُ أَي خَفَّ. وشيءٌ هَيِّنٌ، على وزن «فَيْعِلٍ» أَي سَهْل، وهَيْنٌ، مخفّف. والهَوْنُ الرِّفق؛ قال الشاعر:

مَرَرْتُ على الوَدِيعةِ ذاتَ يَوْمٍ

تَهادَى في رِداء المِرْطِ هَوْنا

الفرق بَين «الْعَلامَة والْآيَة»: علامة الشَّيْء ما يعرف بِهِ المعلّم لَهُ ومن شَاركهُ في مَعْرفَته، دون الآخرين، كالحَجَرِ تَجْعَلهُ عَلامَةً لدفينٍ تدفِنِهُ، فَيكون دلالَةً لَكَ دونَ غَيْرِكَ. أمّا الْآيَة، فهِيَ العَلامَةُ الثَّابِتَةُ، من قَوْلك تأيّيتُ بِالْمَكانِ إِذا َتثبّتّ؛ قالَ زُهَيْر:

وعَلِمْتُ أَنْ لَيْستْ بدارٍ تَئيّةٍ

فَكَصَفْقةٍ بالكفّ كَانَ رُقادي

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «حَذِرَ فُلانٌ مِنَ الطّريقِ»، وهي خَطأٌ، والصَّوابُ: «حَذِرَ فُلانٌ الطّريقَ»، لأنّ فعلَ «حَذِرَ» لا يأخُذُ حَرْفَ جَرّ، وإنّما يَتعدّى بنَفسِهِ. والْحِذْرُ وَالْحَذَرُ: الْخِيفَةُ. حَذِرَهُ يَحْذَرُهُ حَذَراً، وَاحْتَذَرَهُ؛ قالَ غدّافُ بنُ بنِ بَجَرَةَ:

قُلْتُ لِقَوْمٍ خَرَجُوا هَذَالِيلْ

احْتَذِرُوا لَا يَلْقَكُمْ طَمَالِيلْ

(هَذاليلُ: جَمْع هُذْلُول، وهو السَّرِيعُ الْخَفِيفُ. وَالطُّمْلُولُ: الْفَقِيرُ السَّيِّئُ الْحَالِ)

وَرَجُلٌ حَذِرٌ وَحَذُرٌ وَحَاذُورَةٌ وَحِذْرِيَانٌ: مُتَيَقِّظٌ شَدِيدُ الْحَذَرِ وَالْفَزَعِ؛ قال إبان اللّاحقيّ:

حَذِرٌ أُمُوراً لَا تُخافُ وَآمِنٌ

ما لَيْسَ مُنْجِيهِ مِنَ الْأَقْدارِ

من حكم العرب

ولَمْ أَرَ لِلْخلائقِ مِنْ مَحَلٍّ

يُهذِّبُها كَحِضْنِ الأُمَّهاتِ

فَحِضْنُ الأُمِّ مَدْرَسَةٌ تَسامَتْ

بَتَرْبِيَةِ البَنينِ أو البَناتِ

البيتان لمعروف الرُّصافي، يقول فيهما إنّ الأمّ هي المدرسة الأولى، والأكثر سموّاً وعطاءً، وهي التي تهذّب وتربّي وتنشئ.. فمن كان ذا خلق طيّب وسلوك راقٍ، فبالتأكيد تربّى في حِضن أمّ صالحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ta9myaj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"