عادي

كتابة أناندا ديفي تروض البشر

21:29 مساء
قراءة 3 دقائق
أناندا ديفي

القاهرة: «الخليج»

أصدرت الكاتبة الروائية أناندا ديفي المولودة في موريشيوس في 23 مارس سنة 1957، سيرة ذاتية بعنوان «حقيبتان ووعاء» تجيب خلال صفحاتها عن أسئلة خاصة بسر الكتابة، فالكتاب موجّه في شكل رسائل، اختارت أن تخاطب فيها نفسها، عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، عبر حوار تتحدث فيه عن رحلتها، ونشوء الحساسية، التي تميز أعمالها.

في حوار أجرته معها إحدى المجلات قالت أناندا: «بعد خمسين عاماً من الكتابة، فكرت كثيراً في العودة إلى هذه البدايات غير المتوقعة في قرية زراعية صغيرة في موريشيوس، حيث كان والداي شغوفين بالكتب وكان من عادتهما إخبارنا بالقصص التي غذت شغفي الخاص، وولّدت لديّ الرغبة في الكتابة، لقد كنت طفلة خجولة، وذلك ما أسهم في أن أصبح كاتبة، لذلك لم أفتقد الرغبة في كتابة سيرتي، لكنني كنت دائماً أكثر رغبة في كتابة الروايات والشعر والقصص القصيرة، في ما بدا لي الانخراط في كتابة سيرة أقل إغراء، لذا قررت أن أكتب لنفسي، أو أكتب هذه الفتاة الصامتة».

* رسالة

 

بدأت الحكاية معها باقتراح خاص لكتابة مقال عن سر الكتابة، في شكل رسالة، مثل رسائل ريلكه إلى شاعر شاب، وبينما كانت تتساءل لمن ترسل هذه الرسالة، قررت أن تكتبها إلى نفسها؛ إلى تلك الفتاة الصامتة، لتخبرها بكل شيء، وتكتشف معها حلم الكتابة وأسرارها.

تقدم ديفي في رواية «الرجال الذين يحادثونني» سيرة ذاتية لطفلة في الخامسة من العمر، تصل إلى ما بعد ثلاثين سنة من الزواج، وقرارها بهجر البيت، والاختلاء بنفسها في شقة، للتأمل في درب العمر، وعلاقتها بالكتابة، فهي ترى أن توزع حياة المرأة بين إرضاء زوجها وتربية أبنائها، والقيام بواجباتها المنزلية، يجعل من تصديها للكتابة الإبداعية مهمة مستحيلة.

تجمع ديفي في تلك الرواية بين التجربة الإنسانية الخاصة، وتأثير القراءات الفكرية والإبداعية في حياتها، لتعري علاقاتها بالرجال الذين يحيطون بها، بدءاً من الأب، ومروراً بالزوج والأبناء، ثم انتهاء بكاتب يحاورها عبر الإنترنت، وهي في كل ذلك تقدم تشريحاً لإصرار الرجل على التدخل لقيادة المرأة.

تدور أغلب أعمال ديفي في موطنها الأصلي، كمحاولة لاستكشاف الذات، فهي عبارة عن تجارب للمواجهة، التي يستكشفها النص، ولا تحدث إلا في الهند «أرض المعجزات، حيث كل شيء موجود، فما عليك سوى أن تنظر وتستمع»، إنها تغوص في أعماق الفضاء الهندي، في ضجيج شوارعه، كما في صمته المهيب، لتدعونا أحياناً إلى المشاهدة، وأحياناً إلى الاستماع لشخصيات هامشية وحزينة وعاجزة.

واقع

في تقديمه لمجموعتها القصصية «السفير الحزين» يقول المترجم سعيد بوكرامي إن أناندا ديفي تنسج عالماً سردياً بديعاً من الألوان، والروائح والنكهات الغريبة، والإيقاعات الحسية الساحرة، تماماً كالهند التي تعد نسيجاً باهراً من الأجناس والديانات والبهارات؛ عالماً من المغامرات والنساء الوحيدات اللاتي يبحثن عن معنى لحياة هامدة، والمتسولين، والفقراء المحكوم عليهم بالفاقة الدائمة، والأجنبيات اللواتي يمثلن ثقافة المستعمر، وآخرين يعانون الاغتراب.

قصص أناندا ديفي مكتوبة بلغة حية، تنفجر بالاكتشافات الأدبية والسحر، بمشاهد تنطوي على انطباعات، حيث تتعايش الحداثة والتقاليد في الهند، لكن بكتابة قصصية أدبية متجددة، لا يُكتشف جوهرها إلا بعد وقت، فالكاتبة تضع شخصياتها في خضم تعرجات الوجود، وبمهام غير مكتملة، وتعري مختلف أنواع البشر، سواء كانوا ينتمون إلى الفقر والحضيض، أم إلى الثراء والرقي، وهي عملات ذات وجه واحد، فقصص ديفي تتأرجح بين المأساة والعنف والسخرية، وتعبر عن واقع مرير، ومحاولات إنسانية لترويض الشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56bc4f7w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"