عادي

«الباركود».. نافذة المجر على الخارج

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق
كريستينا توت

القاهرة: الخليج

يستهل كريم جمال الدين مقدمة ترجمته لمجموعة كريستينا توت القصصية، وعنوانها «باركود» بالحديث عن صعوبة الترجمة، التي يراها مهمة صعبة، في كثير من الأحيان، لأنها لا تقتصر على ترجمة النص من اللغة الأم، بل عليه أن يكسر كل الحواجز الثقافية بين المجتمعين، لينقل العمل الأدبي بكل ما يتعلق به من ثقافة وتاريخ وعادات تقاليد، في ذلك المجتمع إلى القارئ، من دون أن يشعر الأخير بأن ما يقرأه عمل مترجم، بل كأنه يقرأ عملاً أصلياً، كتب بلغته الأم.

صدرت «باركود» في عام 2006 وتحتوي على خمس عشرة قصة قصيرة شائقة، تروي لنا بشكل غير مباشر كيف كانت الحياة في الجمهورية المجرية، خلال فترة حكم الحزب الشيوعي المجري، الذي سقط في عام 1989 وتحولت بعده دولة المجر إلى النمط الغربي، وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004.

في خلال فترة حكم الحزب الشيوعي، وقبل الانفتاح الاقتصادي، لم تكن السلع محدودة، بل الخيارات والحريات أيضاً، فلم يكن من السهل على المواطنين المجريين حينها عبور الحدود التي تفصل بينهم وبين دول الغرب المجاورة كالنمسا مثلاً، من دون تعقيدات، فاقتصر السفر وعبور تلك الحدود على رجال السلطة والطبقات العليا من المجتمع، أو المتمتعين بامتيازات من الحكومة.

هكذا – وهو ما تنقل أجواء تلك المجموعة القصصية - فإن الغرب كان بمنزلة عالم بعيد، يصعب على المواطن العادي البسيط الوصول إليه، فكانت السلع التي تأتي من هناك حينها بمنزلة نافذة على ذلك العالم الغامض المتحرر، حيث كان كل شيء متاحاً، وكان «الباركود» هو السمة التي تميز تلك السلع القادمة من الغرب، من هنا جاءت تسمية الكتاب.

كان السفر إلى أوروبا الغربية شيئاً صعباً بالنسبة إلى الأشخاص العاديين باستثناء رجال السلطة والأطباء وأفراد الطبقة الغنية في المجتمع، فبالتالي اقتصر امتلاك تلك السلع الغربية على تلك الطبقة، فكانت تلك السلع تبدو حينها شيئاً غامضاً وجذاباً، تعامل معها الناس بحرص شديد، فإذا حصل شخص ما على أي سلعة من الخارج كان يتفاخر بها ليثير غيرة الآخرين.

كانوا يحتفظون بزجاجات البارفان الفارغة وعلب الشيكولاتة المستوردة، لتخزين الأوراق وأدوات الخياطة، حتى زجاجات الشراب القادمة من الغرب كانوا يحتفظون بها كرمز للتفاخر الاجتماعي، وبعد سقوط الحكم الشيوعي وانضمام المجر إلى الاتحاد الأوروبي لاحقا، فتحت الحدود بين دول الاتحاد، وتلا ذلك الانغلاق والاضطهاد الذي عاناه الناس، التفتح والازدهار الاقتصادي، ولم يعد هناك فرق بين تلك الدول، وأصبحت تلك السلع متوافرة في كل مكان، ولم تعد لها ذات الأهمية التي كانت تحظى بها السلع الغربية، أو بمعنى أصح السلع التي كان مطبوعاً عليها الباركود، فقط تلك الأجيال التي عاصرت تلك الفترة هي التي ترى فيه رمزاً يشعرهم بالحنين إلى الماضي.

«باركود» علامة مميزة غامضة زينت كل ما جاء من الغرب في السبعينات، وأعطت تلك الخطوط السوداء الدقيقة قيمة حتى لأكثر الأغراض تفاهة بقوتها الجذابة الساحرة، جعل الباركود منها مرسالاً لذلك العالم الذي كان الوصول إليه مستحيلاً في ذلك الوقت.

شكلت تلك الفترة قيماً وأذواقاً ومخاوف جيل الكاتبة كريستينا توت أحد أشهر الكتاب المجريين المعاصرين، فاستحضرت ذلك العصر من خلال مجموعتها القصصية تلك، بأحداثها المتشعبة والتي تشبه خيوط العنكبوت، لكن النهايات مرتبطة في زوايا مختلفة من الزمن، وتربط الماضي بالحاضر كخطوط الباركود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/brwac2pj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"