عادي

أوكرانيا.. و«الأسافين» الأوروبية

23:33 مساء
قراءة 4 دقائق
أوكرانيا.. و«الأسافين» الأوروبية

كتب - بنيمين زرزور:

لم يكن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى زلزال بوزن الحرب في أوكرانيا كي يتصدّع، وتدق الأسافين بين مكوّناته السياسية. وبعد عامين على بدء الحرب، وميل كفة الانتخابات الأمريكية لمصلحة الرئيس دونالد ترامب حتى الآن، على الأقل، كان طبيعياً أن تفرض أزمة الدعم العسكري والمالي الأوروبي لكييف نفسها على اجواء العمل السياسي في مختلف مؤسسات الاتحاد، بدءاً من القمة، وانتهاء بالمفوضية.

بينما تعاني القوات الأوكرانية نقصاً شديداً في الذخيرة في وضع ميداني يسيطر عليه الروس، تشتد المخاوف من أن الانهيار الدفاعي قد يؤدي إلى اقتراب قوات بوتين من كييف، مرة أخرى. في هذه البيئة المعقدة تعمل الدول الأوروبية جاهدة للحفاظ على وحدتها، وسط خلافات معمقة حول نوع المعدات التي يجب توفيرها، وما إذا كانت ستفكر في إرسال قوات برية إلى أوكرانيا.

وقد أكدت كييف، من جانبها، أن الفشل في الاستمرار في دعم القوات قد يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم. جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل أيام.

  • ماكرون من جديد

وأثار الرئيس الفرنسي حفيظة الحلفاء والأعداء، على حد سواء، حين أشار إلى أن الأوروبيين قد يرسلون قوات في يوم من الأيام إلى أوكرانيا. لكن الخبراء يحذرون من أن مؤيدي كييف لديهم أسئلة أكثر إلحاحاً يتعين عليهم الإجابة عنها أولاً. وأثار الرئيس الفرنسي الدهشة عندما استهدف أحد المحرمات الطويلة الأمد في الحرب في أوكرانيا، وهو احتمال نشر قوات غربية.

وقال ماكرون في تجمع لحلفاء أوكرانيا في باريس الأسبوع الماضي: «لا يوجد إجماع اليوم على إرسال قوات برية، لكن لا ينبغي استبعاد أي شيء. إننا بالتأكيد نقترب من لحظة بالنسبة لأوروبا، حيث سيكون من الضروري ألا نكون جبناء».

ومرة أخرى، لقيت تصريحات الرئيس الفرنسي استقبالاً سيئاً في ألمانيا، مع ظهور التوترات بين البلدين اللذين يعتبران محور قيادة الاتحاد الأوروبي. وقال وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، في السويد، يوم الثلاثاء «لسنا بحاجة للحديث عن نشر قوات على الأرض، أو التحلي بشجاعة أكبر أو شجاعة أقل». وأضاف «هذا أمر لا يساعد على حل القضايا التي نواجهها عندما يتعلق الأمر بمساعدة أوكرانيا».

وأكدت ألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وبولندا، وحلف شمال الأطلسي، والمفوضية الأوروبية، جميعها، أنها ليست لديها خطط لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا، وهو خط أحمر طويل الأمد، كما أشار المستشار الألماني أولاف شولتز، ينطوي على تصعيد خطر، ومواجهة مباشرة مع روسيا.

وشدد مسؤولون فرنسيون، في وقت لاحق، على أنه يمكن على سبيل المثال إرسال قوات لدعم عمليات إزالة الألغام، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، بدلاً من قتال القوات الروسية فعلياً.

  • محاولة لتوحيد الجهود

ومع احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب، الانعزالي المثير للجدل رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني، أصبح الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق من أن واشنطن سوف تتوقف عن كونها داعماً موثوقاً لكييف، في المستقبل غير البعيد. وقد استمات الرئيس الحالي، جو بايدن، لأشهر عدة، للحصول على حزمة مساعدات عسكرية ضخمة لكييف من خلال الكونغرس.

هناك تصاعد في وتيرة الخوف من التطرق لإرسال قوات برية، وتحاول جميع الأطراف جاهدة التأكد من عدم وجود مواجهة مباشرة بين القوات الروسية وقوات الدول الأعضاء في «الناتو» لأسباب وجيهة للغاية، لأن ذلك من شأنه أن يقود إلى صراع أوسع بكثير.

والمشكلة لا تكمن في خطر التصعيد فحسب، بل في التوقيت. ويسود شعور لدى زعماء الاتحاد الأوروبي بأنهم ما زالوا يكافحون من أجل توحيد جهودهم لإرسال الذخيرة المناسبة، والعثور على من يؤمّن وصول المدفعية المناسبة إلى أوكرانيا.

وبعد الفشل في الوفاء بالتزام سابق بتسليم مليون طلقة من الذخيرة إلى أوكرانيا بحلول شهر مارس/ آذار، يدرس الاتحاد الأوروبي حالياً، خطة تشيكية لشراء 800 ألف طلقة، الكثير منها من دول من خارج الاتحاد.

وكانت فرنسا عارضت ذلك في السابق، لأنها أرادت حصر جميع عمليات التصنيع والتصدير في شركات الاتحاد الأوروبي، ولكن يبدو أنها أسقطت هذا الشرط، كما أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الأسبوع الماضي.

وكانت فرنسا وألمانيا على خلاف أيضاً في المفاوضات بشأن ترتيبات المساعدات العسكرية طويلة المدى لأوكرانيا، من صندوق أموال الاتحاد الأوروبي المعروف باسم «مرفق السلام الأوروبي». وبعد أن حشدت الدول الأعضاء ستة مليارات يورو حتى الآن، تتصارع الدول الأعضاء حالياً، حول القواعد الخاصة بالمليارات التالية.

وما زاد من مشاعر الذعر أن برلين شعرت بالحرج بسبب تسريب محادثة أمنية مشددة بين مسؤولين عسكريين ألمان نشرتها وسائل الإعلام الحكومية الروسية، الأسبوع قبل الماضي.

وبينما يبحث الاتحاد الأوروبي عن إجابات، يبدو أن ماكرون يحاول قيادة النقاش. وعقدت الحكومة الفرنسية يوم الخميس الماضي، مؤتمراً عبر الفيديو لوزراء الدفاع والخارجية من 28 دولة، بما في ذلك أوكرانيا، إضافة إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي. وأعلنت وزارة الخارجية، في وقت سابق، أن الاجتماع كان «جزءاً من سلسلة مبادرات لحشد الدعم لأوكرانيا.»

وفي الوقت نفسه، واجه المستشار الألماني شولتز انتقادات لرفضه الموافقة على طلب كييف تزويدها بصواريخ كروز طويلة المدى من طراز «توروس». وسلّط المستشار الضوء على أن ألمانيا هي واحدة من أكثر الداعمين سخاء لأوكرانيا، حيث تعهدت بتقديم مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار.

وقالت «مجموعة أوراسيا الاستشارية» إنه على الرغم من أن الاجتماع في برلين لن يغيّر قواعد اللعبة، إلا أنه الفرصة الأخيرة لشولتز وماكرون، لإصلاح العلاقات قبل الأشهر الحاسمة بالنسبة إلى أوكرانيا، وانتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/ حزيران، وتعيين زعيم جديد لحلف شمال الأطلسي.

جدير بالذكر أن الدعم الشعبي الأوروبي في ما يخص المساعدات الأوروبية لأوكرانيا يتآكل، حيث كشفت استطلاعات الرأي تراجعه إلى 43% بخسارة 9 نقاط مقارنة مع 52%، خلال الصيف الماضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc433myc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"