عادي

عذب الكلام

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

التشبيهُ تمثيلاً، إِذا كان وجهُ الشَّبه فيهِ صورة مُنْتَزَعَة منْ متعددٍ؛ كقول أبي الطيّب مادحاً سيف الدولة:

يَهُزُّ الجَيشُ حَوْلَكَ جانِبَيْهِ

كما نَفَضَتْ جَناحَيْها العُقابُ

وجهُ الشَّبه وجودُ جانبين لشيءٍ في حال حركةٍ وتمَوُّجٍ.

وقول أبي فراس الحمداني:

والماءُ يَفْصِلُ بَيْنَ زهْ

رِ الرَّوْضِ في الشَّطَّينِ فَصْلا

كَبِسَاطِ وَشْيٍ جَرّدَتْ

أيْدِي القُيُونِ عَلَيْهِ نَصْلا

الصورةُ مأخوذةٌ أَو مُنْتَزَعَةٌ من أَشياء عدَّة، والصورة المشتركةُ بين الطرفين، وجود بياضٍ مستطيلٍ حوله اخضرار فيه أَلوان مختلفةٌ.

ومنه قول السرّ الرفّاء:

وكأنَّ الهِلالَ نونُ لُجَيْنٍ

عرِقَتْ في صحيفةٍ زَرقاءِ

فالتشبيه بديع بين الهلال وطرف الفضة.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

من جميل ما قيل في وصف الرّياض والبساتين، في كتاب «سِحْرُ البَلاغة وسِرُّ البَراعة» للثعالبي: رَوْضةٌ رَقَّتْ حَواشيها، وتأنَّق واشيها، كالعُقودِ المُنظّمة، على البُرودِ المُنَمْنَمَة. نَشرَت طَرائفَ مَطارِفِها، ولَطائفَ زَخارِفِها، فَطُويَ لها الدّيباجُ الخُسْرَوانيّ، ونُفيَ مَعها الوَشْيُ الإسْكَنْدَرانيّ. راضَتْها يَدُ المَطَر. دَبَّجَتْها أَيْدي النّدى. أَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَسْرارَها، وأَظْهَرَتْ يَدُ الغَيْثِ آثارَها، وأطْلَعَتِ الرّياضُ أَزْهارَها. الرِّياضُ كالعَرائِسِ في حَلْيِها وزَخارِفِها، والقِيانِ في وَشْيِها ومَطارِفِها، باسطةٌ زَرابيها وأَنْماطَها، ناشِرَةٌ حِبْرَها ورِياطَها، زاهِيةٌ بِحَمْرائها وصَفْرائها، تائهَةٌ بِعَوانِها وعَذْرائها. بُسْتانٌ رَقَّ نَوْرُهُ النَّضيد، ورَاقَ وِرْقُهُ النَّضير. غُصْنُهُ خَضِر، ورَبْعُهُ خِصْب، كأنّهُ أُنموذَجُ الجَنّة. لا يَحِلُّ لِأريبٍ أنْ لا يَحِلّ به. أَرْضُهُ لِلْبَقْل والرَّيْحان، وسَماؤهُ لِلنَّخْلِ والرُّمّان. أَشْجارٌ كالعَذارى يُسَرِّحْنَ الضَّفائر، ويَنْشُرْنَ الغَدائر. كأنَّ الحُورَ أَعارَتْها قُدودَها، وكَسَتْها بُرودَها، وحَلَّتْها عُقودها.

من أسرار العربية

في ترتيب البياض: السَّحْلُ: الثَّوبُ الأبْيَضُ. النَّقا: الرَّمْلُ الأَبْيَضُ. الصَّبِيرُ: السَّحابُ الأبيضُ. الوَثِيرُ: الوَرْدُ الأَبْيَضُ. القَشْمُ: البُسْرُ الأبْيَضُ الَّذِي يُؤْكَلُ قَبْلَ أَنْ يُدْركَ وهُوَ حُلْو. الرِّيمُ: الظَّبْيُ الأبْيَضُ. اليَرْمَعُ: الحَجَرُ الأبْيَضُ. النَّوْرُ: الزَّهْرُ الأبْيَضُ. القَضِيمُ: الجِلْدُ الأَبْيَضُ؛ قال النَّابِغَةِ:

كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِساتِ ذُيُولَها

عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ

الوَضَحُ: بَيَاضُ الغُرَّةِ. التَّحْجِيلُ والبَرَصُ والبَهَقُ: بَياضٌ يَعْتَرِي الجِلْدَ، يُخالِفُ لَوْنَهُ ولَيْسَ مِنَ البَرَصِ. المُكَوْكَبُ: بَيَاضٌ في سَوادِ العَيْنِ، ذَهَبَ البَصَرُ لَهُ أوْ لَمْ يَذْهَبْ. القُرْحَة: بَياضٌ في جَبْهَةِ الفَرَسِ. السَّفَرُ: بَيَاضُ النَّهار. الهِجانَةُ: أَحْسَنُ الْبَيَاضِ في الرِّجَالَ والنِّسَاءِ والإِبلِ.

هفوة وتصويب

يقول بعضُهم «هَبَطَتِ الطّائرةُ على مُدَرَّج المَطار». وكلمة «مُدَرَّج» هنا غير صحيحة، والصواب «مَدْرَج»؛ في صحيح اللغة: دَرَجَ يَدْرُجُ دَرْجاً ودَرَجاناً ودَرِيجاً، فهو دارج: مَشَياً مَشْياً ودَرِجَ أَي مضى لسبيله. ويقال للطريق الذي يَدْرُجُ فيه الغُلام والرّيح، وغيرُهما: مَدْرَجٌ ومَدْرَجَةٌ ودَرَجٌ، وجمعه أَدْراجٌ أَي مَمَرٌّ ومَذْهَبٌ؛ قال ساعدة بن جؤية:

تَرَى أَثْرَهُ في صَفْحَتَيْهِ كأَنَّهُ

مَدارِجُ شِبْثانٍ لَهُنَّ هَمِيمُ

يقول آخرون «نُقِلَتْ رُفاتُ المُتَوفّى»، وهي خطأ، والصّواب «نُقِل رفاتُ المُتوَفّى» لأنّ الرُّفات: الحُطام من كل شيء تكَسَّر. وهي كلمة مذكّرة. ورَفَتَ العَظْمُ يَرْفِتُ رَفْتاً: صار رُفاتاً.

من حكم العرب

إِذا المَرْءُ لا يَرْعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً

فَدَعْهُ ولا تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَأَسُّفا

إذا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فلا خَيْرَ في وُدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا

البيتان للإمام الشافعي، يقول إن العلاقة الطبيعية الصحيحة بين الناس، قوامها المودّة والصدق والتلقائية، فإذا كان هناك تكلّف وتصنّع ومجاملة مفتعلة، فقطعها أفضل وأكثر صحّةً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2as5ns6w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"