عادي

سمية أول شهيدة في الإسلام.. من هي ومن هم أفراد أسرتها؟

19:49 مساء
قراءة 5 دقائق
أول شهيدة في الإسلام

يحفل تاريخ الإسلام بنماذج رائعة من نساء خالدات ضربن أروع الأمثلة في التضحية والفداء بدأت منذ فجر البعثة النبوية، فأنزلهن الله أعلى منازل الشهداء، ومن بينهن الصحابية الجليلة سمية بنت خياط التي كانت أول شهيدة في تاريخ الإسلام.

وتعد سمية أول دم أريق في سبيل الله، إذ كانت من السابقين للإسلام. ونالت هي وأسرتها من التعذيب والتنكيل ما لا يقدر على احتماله الأقوياء الأشداء من الرجال، وأكرمها الله في نهاية الأمر بأن تكون أول شهيدة في تاريخ الدعوة الإسلامية.

فمن هي سمية أول شهيدة في الإسلام؟ ومن هم أفراد أسرتها؟ وما قصة استشهادها؟ وكيف انتقم الله لها من قاتلها؟ وكيف كانت البشارة؟

غريب في مكة

كانت البداية كما يقول د.عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر قبل بزوغ نور الإسلام بنصف قرن. وكانت مكة المكرمة، فضلاً عن مكانتها الدينية مركزاً تجارياً مهماً، وكانت قوافل التجارة تأتيها من اليمن والشام حاملة كل أنواع السلع، وكانت إحدى هذه القوافل الوافدة من اليمن، تضم ثلاثة إخوة هم ياسر بن عامر الكناني القحطاني وأخواه الحارث ومالك، ولم يكن التحاقهم بالقافلة من أجل التجارة أو جني الأرباح، بل كان هدفهم وشاغلهم هو البحث عن أخ لهم رابع كان قد خرج في تجارة ولم يعد.. وما إن استقرت القافلة في مكة حتى انطلق الأشقاء الثلاثة يبحثون وينقبون ويسألون عن أخيهم الغائب. ومرت الأيام سراعاً وحان موعد عودة القافلة وتأهب الأخوان الحارث ومالك للعودة. غير أن أخاهم ياسر استهوته مكة وشعر بما يشده إليها، فقرر البقاء وودع أخويه اللذين عادا إلى قومهما وقد فقدا أخاً ثانياً.

بقي ياسر في مكة وحيداً غريباً ضعيفاً لا مال له ولا سند. وحسب العرف السائد كان يتعين عليه أن يدخل في جوار إحدى القبائل أو العائلات الكبرى في مكة بحيث يصير عبداً لها يخدمها، وتكفل له العيش والحماية، فاختار ياسر أن يحالف أبا حذيفة بن المغيرة في بني مخزوم. وكان ياسر مجداً في عمله طيباً في خلقه مستقيماً في سلوكه ما حدا بأبي حذيفة إلى أن يعطف عليه ويبره ويزوجه أمة عنده هي سمية بنت خياط، التي أنجبت له ولدين هما عمار وعبيد الله. ومضت الحياة بهم جميعاً في هدوء ودعة. وتقدم ياسر وسمية في السن وبلغ عمار مبلغ الرجال. واكتملت سعادة الأسرة حين قرر أبو حذيفة عتق عمار. ثم ما لبث أن مات أبو حذيفة.

نور الإسلام يشرق

وهنا أراد الله أن يشرق نور الإسلام، وتبلغ رسالته عمار والرسالة لا تزال في مهدها فأشرق لها قلبه وهامت بها روحه، فذهب إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، حيث التقى بغريب آخر اجتذبته الدعوة الوليدة. وهو صهيب الرومي ودخل الاثنان الدار وخرجا منها، وقد انضما إلى ركب السابقين إلى الإسلام. ومن شدة فرحه واعتزازه بإسلامه عرض عمار على أبويه الطاعنين في السن دعوة الإسلام فتهللا فرحاً وبادرا بنطق الشهادتين. وكانت سمية سابعة السبعة السابقين للإسلام بعد خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وبلال بن رباح وخباب بن الأرقم وصهيب الرومي وابنها عمار.

ولم يتكتم آل ياسر أمر إسلامهم بل أعلنوه بكل شجاعة واعتزاز وفخر. وكان لذلك وقع الصاعقة على بني مخزوم. فحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم ويعيدوهم إلى الكفر، غير أن آل ياسر أبوا واستعصوا عليهم، فأذاقوهم من العذاب ألواناً، فكانوا يلبسونهم الحديد ويضعون في أيديهم القيود والأغلال الحديدية ويطرحونهم على رمال الصحراء ويضعون على صدورهم الصخور ويحرمونهم قطرة الماء. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بهم وهم يعانون العذاب. وسمع ياسر يئن وهو يقول: الدم هكذا.

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وقال: أبشروا (أو قال اصبروا) آل ياسر فإن موعدكم الجنة. فكانت هذه البشارة الكبرى بمنزلة البلسم الذي ارتاحت له نفوس آل ياسر، وأثلجت صدورهم وشفت أرواحهم وصاروا أكثر قدرة على تحمل العذاب وتحدي الآلام.

عزيمة لا تلين

وكان نصيب عمار من العذاب هو النصيب الأوفى، فكانوا يغرقونه في الماء حتى يكاد يختنق ثم يرفعونه، كما كانوا يعرضونه للحرق. وقد وصف بعض أصحاب عمار بعض ما وقع به من العذاب بكلمات بليغة مؤثرة، يقول عمرو بن الحكم: (كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول) ويقول عمرو بن ميمون: (أحرق المشركون عمار بن ياسر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ليمر بيده على رأسه ويقول: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت برداً وسلاماً على إبراهيم.

وتولى عمرو بن هشام (أبو جهل) الإشراف على تعذيب آل ياسر، كما عذب كثيراً من المسلمين. وحاول صرف سمية عن دينها وأغاظه صمودها واستفزته عزيمتها التي لا تلين أمام تعذيبه. قالت له سمية وهي تحت التعذيب: أتحاجونني في الله وقد هداني؟. فقال لها: أريني إلهك هذا. قالت: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، فلم يملك أبا جهل أن يتحكم في أعصابه فطعنها في بطنها فقتلها.

وهكذا كان دم سمية بنت خياط، وهو الدم الزكي الطاهر أول دم يراق في سبيل الله، وكانت سمية في طليعة شهداء الإسلام، وكانت من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

واستشهد ياسر، وبقي عمار يتلقى صنوفاً من العذاب حتى لم يدر ما يقول فقال ما يكره ونال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير. فلما أفاق وأدرك ما حدث أصابه الهم والكرب وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله النبي: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، والله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فسأله النبي: فكيف تجد قلبك؟. قال: مطمئن بالإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنّ عادوا فعد وتلا قول الله عز وجل: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.

الطيب المطيب

وأذن النبي، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه بالهجرة. وهاجر عمار إلى يثرب، وعندما هاجر النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة كان عمار من أوائل من عملوا في بناء مسجد رسول الله، وهو أول مسجد في المدينة المنورة. واستقر عمار في صحبة النبي، وكان رسول الله صلى الله على وسلم يحبه حباً عظيماً ويباهي أصحابه بإيمانه وخلقه وسماه الطيب المطيب.

وفي العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة كانت غزوة بدر الكبرى التي شارك فيها عمار. وفي هذه الغزوة قتل عمرو بن هشام (أبو جهل). فنادى النبي عمار ليريه انتقام الله عز وجل من قاتل أمه.

وشهد عمار مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، فأحبه النبي لإخلاصه وشجاعته وزوده عن الدين. وقد قال النبي لصحابته: إنّي لا أدري ما بقائي فيكم. فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وتمسكوا بعهد عمار يعني ابن ياسر وما حدثكم ابن مسعود يعني عبد الله بن مسعود فصدقوه.

وإذا كان ياسر وسمية والدا عمار قد استشهدا على أيدي المشركين، فقد استشهد عمار في موقعة صفين خلال أحداث الفتنة الكبرى، وعمره اثنان وتسعون عاماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtac4n7b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"