زمن الألوان المتقاطعة والسلق الفني

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

اليوم، وفي زمن الفطريات الفضائية التي تسمّى الدراما التلفزيونية: «صراخ، غضب، سرسرة، فهلوة، خيانة، انتقام، ضحك على الذقون..». مرة ثانية اليوم، وفي زمن الغثاثة الفنية، نعرف قيمة المسلسل التاريخي باللغة العربية الفصحى، وكان ذلك في الصِّبا، والشباب الأول. كان عبد المجيد مجذوب وهو يؤدي دور المتنبي يؤدي في الوقت نفسه كاريزما اللغة بصوتها ومخارج حروفها وضبطها الإعرابي ومرونتها الإيقاعية.. وبالطبع، يضاف كل ذلك إلى شخصية المتنبي، أي الصورة التمثيلية على الشاشة، الشخصية الفنية التي تكتمل جماليتها بالشخصية اللغوية.

عد إلى مقامات الحريري وشخصية بديع الزمان الهمذاني، والخليفة عمر بن عبد العزيز بأدوار الممثل الكاريزمي رشيد علامة في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين حين كان الإصغاء إلى أدائه اللغوي العربي الفصيح يوازي مشاهدته وهو يمثل الدور بثياب وثقافة تلك الأزمنة الفصحى أيضاً. وقياساً على ابن عربي، فكل زمان ليس فصيحاً لا يعوّل عليه، كما وكل مكان ليس فصيحاً لا يعوّل عليه. كانت هند أبي اللمع في أعمالها العديدة ومنها «حول غرفتي»، و«عازف الليل» 1976، و«لا تقولي وداعاً» 1983، تحوّل اللغة الفصحى إلى «مركب بلاغة»، إن جاز القول، بلاغة اللغة، وبلاغة الجمال الهادئ في وجه امرأة مبدعة اختارت هذا الشكل المثقف من الفن.

كانت شخصيات الممثلين نفسها هي ما يشدّنا إلى اللغة، فنذهب إلى تقليدهم في الأداء وفي الإلقاء على مسارحنا المدرسية الصغيرة آنذاك، ويصبح الممثل نموذجاً مسرحياً وقدوة لغوية.

كنا نحب مشاهدة وجه أنطوان كرباج في تمثيليات الغموض والشجاعة تحت ستار الليل، ونتابع رجولية الصورة والصوت عند عبد الله غيث، ونمتلئ إعجاباً بأناقة الكلمة والجملة عند نضال الأشقر، ونتعلق بأمومة الكلام عند منى واصف، ونشغف بفصاحة أسعد فضة، وجماليات صوت الأبجدية عند غسان مسعود.

عند هؤلاء الكبار، وعند غيرهم من رموز دراما التلفزيون والمسرح والسينما في أعمال روائية، وتاريخية، ووثائقية، كانت اللغة العربية هي العمود الفقري في العمل الفني، ولها أولوية الامتياز والاختيار.

تلك النسخة السبعينية والثمانينية من أولئك الفنانين النبلاء لم تفقد أبداً قيمتها الفنية والثقافية والجمالية، وإلى اليوم تعيد بعض القنوات التلفزيونية أعمال ذلك الزمن الثقافي وكان بعضه أو أكثره في الستينات بالأبيض والأسود، لكنه كان الأكثر نقاء والأكثر صدقاً من زمن الألوان المتقاطعة، ألوان حفلة المكياج والصباغة الرهيبة في ورش السلق الفني والثقافة «على الماشي» بلا روح، ولا معنى ولا ضمير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28jdtnb4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"