عادي

«المريض الإنجليزي».. رواية بمذاقات ثقافية مختلفة

00:17 صباحا
قراءة 5 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

المتعة والغموض هما العنوان العريض لرواية «المريض الإنجليزي»، للكاتب الكندي من أصول سريلانكية، مايكل أونداتجي، صدرت الرواية عام 1992، وحصلت على جائزة «مان بوكر»، في العام نفسه، وجائزة مان بوكر الذهبيّة عام 2018، لأفضل عمل سردي من بين جميع الروايات الفائزة بالبوكر خلال الخمسين سنة الماضية، حيث وجدت صدى كبيراً في مختلف أنحاء العالم، وترجمت إلى عشرات اللغات، منها العربية، وسرعان ما تلقفتها السينما فور صدورها، إذ تم تحويلها إلى فيلم في عام 1996.

صدرت الرواية عربياً عن دار «روايات»، بترجمة أسامة إسبر، تقول الروائية البريطانية كاملة شمسي، في تقديمها للعمل: «هذه رواية نادرة تحك جلدك، وتجبرك على العودة إليها، مراراً وتكراراً، وفي كل مرة تسبب للقارئ مفاجأة، أو فرحة جديدة»، والحديث يشير إلى قوة تأثير الرواية حيث يتورط القارئ مع أحداثها، وشخصوها، فهي من الأعمال التي تظل راسخة في الذاكرة، ولأنها تنتمي إلى عوالم الغموض، والغرابة في بعض التفاصيل، فإن المتلقي يكون بحاجة إلى العودة إلى قراءة بعض مقاطعها، فضلاً عن المتعة الناتجة عن كون العمل ينهض بأدوات وأسلوب مختلف في السرد والحبكة.

مايكل أونداتجي
  • قصة

تدور قصة العمل في فضاء الحرب العالمية الثانية، وتحكي عن رجل محترق بالكامل له تاريخ غامض، وعلاقته بممرضته الكندية، أثناء الحرب العالمية الثانية، يواجه البطل ماضيه الغامض، بجسده الذي يعاني آثار الحروق، في منزل مهجور يقع على تلة إيطالية مقصوفة، والمعارك تعلن عن قرب نهاية الحرب، والممرضة لا تكاد تفارق المريض، حيث ينشأ حوار لافت بينهما، ما سمح لهذه الفتاة بأن تقترب كثيراً من عوالم البطل، إذ ساعدته في رحلة تذكّر فيها مجمل تفاصيل حياته، بما في ذلك اسمه؛ حيث كان قد فقد ذاكرته تماماً.

  • أسرار وشخصيات

ولعل المفارقة الأساسية في الرواية، أن بطل العمل الرجل المريض، كان يظن طيلة الفترة التي قضاها في ظل المعاناة الثقيلة، أنه إنجليزي، فقد تم العثور عليه في مصر، أثناء الحرب، إذ سقط مع طائرته وتشوه جسده بسبب الحروق إلى درجة لم يتمكن أي شخص من معرفة هويته، وهنا يأتي دور السرد الراقي، والمعقد في الكشف عن العديد من الحقائق المتعلقة بالرجل، أهمها أنه لم يكن إنجليزياً، فقد جاء من المجر، وهو يعمل في رسم الخرائط، وتكمن متعة الحكاية وبراعة المؤلف خلال تلك الخيوط المتشابكة لأبطال القصة الأربعة في ذلك المنزل المهجور؛ وهم: الرجل المريض، وهانا الممرضة التي أنهك روحها الموت، والتي ترعى بطريقة مدهشة مريضها إخلاصاً لعملها، وفي الوقت نفسه هروبا من عالمها الذي تواجه فيه موت أبيها في تلك الحرب العبثية، لتظهر بعد ذلك بقية الشخصيات التي تنضم إليهما، فهناك كارافاجيو، وهو لص، وفي الوقت نفسه صديق لوالد هانا، ويحاول أن يعيد التفكير في حياته الآن، فقد باتت يداه اللتان نزل عليهما العقاب من دون فائدة له، فقد عمل أثناء الحرب لمصلحة الحلفاء، وقُبض عليه بسبب السرقة، وعوقب بقطع إبهاميه الاثنين.

  • ظلم الغرب

أما الشخصية الرابعة فهو الهندي السيخي كيربال سنغ، الذي يرتبط بهانا، وهو يعمل في مهنة الكشف والبحث عن الألغام، يصبح سنغ صديقاً للمريض الإنجليزي، ويتشاطر معه بعض الأفكار، ويقيم علاقة مع هانا تنتهي بابتعادها عنه، بل ويبتعد سنغ عن كل أصدقائه البيض بسبب شعوره بالظلم الفادح الذي يوقعه الغربيون على البشر في مختلف أنحاء العالم، فهو صاحب شخصية متوترة، ومعقدةن وعصبية، وكان شديد التأثر بواقعة القنابل النووية التي أُلقيت على هيروشيما ونجازاكي في اليابان، ويأخذه الظن الشديد الجازم بأن هذه القنبلة ما كان لها أن تُلقى على أمة بيضاء، بأي حال من الأحوال، لكنه يبقى معهم في هذا المنزل البعيد هروباً من العالم الخارجي.

  • لغز

ينشغل كل من أبطال الحكاية بطرق مختلفة، بمحاولة حل لغز الرجل الذي يعرفونه فقط باسم المريض الإنجليزي، فهو ضحية لا اسم لها، تستلقي في ضماداتها طوال الوقت في غرفة من المنزل، وتتناول الرواية هذه الشخصيات في أبعادها المتباينة، فهم، من عرقيات مختلفة، يعيشون بعيداً عن أوطانهم؛ بسبب ويلات الحرب العالمية، التي أفقدتهم هوياتهم، ومن هنا تبرز التناقضات والصراعات الأيديولوجية والفكرية، غير أن الذي يجمعهم هو التنقيب في ماضي المريض الإنجليزي، والكشف عن ماضيه، وعوالمه الغامضة، فمع مرور الوقت يتضح أن اسم بطل الرواية الأساسي الملقب بالمريض الإنجليزي هو الكونت لازلو دو ألماشي، من الجمعية الملكية الجغرافية في المجر، وله عشيقة قتلت في ظروف مأساوية من قبل زوجها الذي اكتشف خيانتها له، فخطط لقتلها، هي وعشيقها دو ألماشي، كما يتذكر المريض شيئاً فشيئاً رحلاته الطويلة في بقاع عدة، وكتبه، واكتشافاته، وذكرياته في بحر الرّمال العظيم، وصحارى مصر وليبيا، وحياته مع البدو، وواحاتهم وسحرهم، وتقاليدهم وثقافتهم، تلك الذّكريات تُشعل القصّة، حيث يكون لها تأثيرها الكبير في بقية شخصيات الرواية، الهاربة من ويلات الحرب والموت، فتتغيّر حيواتها إلى الأبد.

  • أدوات

العمل أشبه بالأسلوب المسرحي، الشخصيات التي تظهر واحدة تلو الأخرى، والحوارات التي تكشف عن الأبعاد النفسية للأبطال، تقود إلى تفكيك لغز المريض وتكشف عن ماضيه، كما أن تلك الحوارات، والتداعي الحر للذكريات يضع القارئ أمام أكثر من حكاية واحدة، فهناك قصص بقية الشخصيات إلى جانب حكاية المريض الإنجليزي، كما حشد الكاتب، الرواية بالرؤى الفكرية المختلفة بطريقة لا إقحام فيها، بحيث تخدم جماليات العمل، ولا تصبح خصماً عليه، ويتضح ذلك من خلال شخصية سنغ الهندي، ومجادلاته حول الهوية، والأنا، والآخر، ثم يأتي دور الوصف في العمل كمصدر قوة بشكل أساسي، وكذلك الانتقالات في المكان والزمان وتفعيل خاصية ال«فلاش باك»، أو الارتداد في الزمن، فالكاتب يقدم وجبة دسمة يستخدم فيها كل البهارات والتوابل السردية بحيث تكون شهية، وممتعة، ومفيدة في الوقت نفسه.

اقتباسات

  • يجب أن أعلّم نفسي ألّا أقرأ كثيراً في كل شيء. فذلك يأتي من الاضطرار.
  • في كل ليلة تنقطع المآسي عن وعاء قلبي، لكنه يمتلئ بها مرة أخرى عند الصباح.
  • في ذلك الوقت من حياتها، صارت الكتب منفذها الوحيد للخروج من زنزانتها، أصبحت نصف عالمها.
  • إنها امرأة شرف وذكاء، حبها الوحشي لا يركن إلى الحظ، بل يجازف دائماً.
  • إذا تجرعت سم شخص آخر مظنة أن في وسعك أن تشفيه، إذا شاركته ذلك السم، فأنت في الحقيقة تختزنه في دواخلك.
  • بعض الإنجليز يحبون أفريقيا. يعكس جزء من دماغهم الصحراء بدقة. وهكذا يصبحون غرباء هناك.
  • يبلغ الحب من الضآلة أنه قد يمزق نفسه لدى عبوره ثقب إبرة.
  • لقد أخذ مني كل ما أحببته، ومنحته قيمة.
  • تحدث خيانات في الحرب تعتبر طفولية إذا ما قورنت بخيانات البشر أثناء السلم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ehspyzh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"