صناعة الماس ومحاولات التسييس (1 - 2)

21:42 مساء
قراءة 8 دقائق

أحمد بن سليم

قبل عامين تقريباً، على بدء الصراع الروسي- الأوكراني، وتصاعد الأحداث، التي بدأت عام 2014، وواجهت إدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي. اعتماداً على الصحيفة التي تطالعها فإن الأسباب الكامنة وراء هذا الصراع، تختلف من خطط فلاديمير بوتين التوسعية الضخمة لاستعادة المجد السابق للإمبراطورية السوفييتية، إلى مخاوف روسيا الأوسع والراسخة بشأن توسيع الناتو، وهو سبب ربما اعترف به عن غير قصد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، وذكره صراحة بوتين خلال مقابلته الأخيرة مع تاكر كارلسون - وهي الأولى له مع صحفي أمريكي منذ الفيلم الوثائقي المكون من أربعة أجزاء للمخرج أوليفر ستون، «مقابلات بوتين»، الذي تم إنتاجه بين عامي 2015 و2017.

ونتيجة لذلك، تم فرض عقوبات غربية متسارعة ومتتالية استهدفت في المقام الأول البنوك والصادرات العسكرية ومصافي النفط، وتصاعدت العقوبات لتصل إلى فرض مجموعة السبع حظراً على واردات الذهب الروسي في 27 يونيو 2022، كما وضعت مجموعة السبع وأستراليا والاتحاد الأوروبي في الفترة بين 02 – 07 ديسمبر 2022 سقفاً لسعر النفط الخام والزيوت النفطية قدره 60 دولاراً للبرميل.

بالنسبة للماس، فرضت الولايات المتحدة عقوبات لأول مرة في 07 إبريل 2022، استهدفت شركة الماس الروسية العملاقة المملوكة للدولة «ألروسا»، مما أدى إلى تجميد جميع ممتلكاتها ومصالحها الموجودة في الولايات المتحدة. وفي عام 2023، فرضت المملكة المتحدة حظراً عاماً على استيراد الماس الروسي، ومع ذلك، لم يتم البدء في تنفيذ استراتيجية سياسية إلا في نهاية العام الماضي، على ما يبدو للسيطرة على القطاع وتخصيص سلطة مركزية غير ديمقراطية لأنتويرب.

وفي 6 ديسمبر 2023، اتفق قادة مجموعة السبع على «فرض قيود على استيراد الماس غير الصناعي، المستخرج أو المعالج أو المنتج في روسيا، بحلول الأول من يناير 2024». بعد هذا الحظر الأولي، هناك تاريخان حاسمان آخران لهما آثار بعيدة المدى على صناعة الماس، وهما الأول من مارس عندما يمتد الحظر ليشمل الماس المصقول الذي يزيد وزنه على قيراط واحد والذي يأتي من روسيا، وأخيراً الأول من سبتمبر عندما ستشمل القيود الأخرى الماس الاصطناعي الروسي، وكذلك المجوهرات والساعات التي تحتوي على ألماس أكبر من نصف قيراط.

تبعاً لذلك، قام الاتحاد الأوروبي بتعيين هيئه الخدمات الفيدرالية العامه للاقتصاد في بلجيكا باعتبارها السلطة المسؤولة عن جميع عمليات التحقق من الماس غير الروسي، وهو ما يعني من الناحية العملية على الأرجح إعادة توجيه مسار الماس الخام في العالم لتصنيفه عبر أنتويرب - وهو تحول كبير عن موقف رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، الذي رفض قبل ما يزيد قليلاً على عام العقوبات المفروضة على سوق الماس الروسية، قائلاً إن «العقوبات يجب أن تركز بشكل أكبر على المعتدي، وليس على أنفسنا». حتى كيانات مثل مركز أنتويرب العالمي للماس، الذي ذكر في السابق أن أنتويرب يجب أن تظل «باباً مفتوحاً أمام الشركات التي ليس لديها خيارات»، غيرت موقفها. سواء كان ذلك لأنهم وجدوا طريقة لفرض حظر على الماس الروسي في المدينة المتعثرة، وهو ما لا يمكنني أن أجزم به، ومع ذلك، إلا أن متطلباته وشروطه تعني أن جميع البلدان، ربما باستثناء كندا، الدولة الوحيدة المنتجة للألماس من مجموعة السبع، سيكون متوقعاً منها أن تلتزم بالسياسة المقترحة مؤخراً، على الرغم من بنيتها الغامضة، والأسئلة التي لم تحظَ بإجابات، والموعد النهائي الوشيك. وكما أوضح أحد الخبراء المخضرمين في هذا المجال بجلاء: «حتى الآن، حصلنا على «ماذا»، وليس «كيف».

إضعاف روسيا

قبل التعمّق في عواقب هذا القرار الإمبريالي الذي يُظهر القليل من الفهم أو الاكتراث للأغلبية الساحقة من البلدان وأصحاب المصلحة المشاركين في صناعة الماس، يجدر بنا أن نفهم التأثير العملي لكيفية تحقيق هذه العقوبات للهدف المعلن لمجموعة السبع. من خلال تطبيق مثل هذا النظام المركزي، تهدف مجموعة السبع إلى الحد من قدرة روسيا على شنّ الحرب في أوكرانيا، من خلال قطع التمويل المهم المكتسب من بيع الماس الخام. ومع ذلك، بعد الغوص السريع في اقتصاديات الحجم، يصبح من الواضح تماماً أن إحداث اضطراب عالمي واسع النطاق في صناعة ذات تنظيم جديد بالفعل بشكل متزايد قد لا يستحق كل هذا الجهد.

بنظرة بسيطة على العرض والطلب العالميين، ليس هناك شك في أن إنتاج روسيا ضخم. وباعتبارها أكبر منتج للماس الخام في العالم، فإنها تمثل نحو 30 في المئة من السوق العالمية، حيث تستفرد شركة ألروسا بكل نسبة الإنتاج هذه تقريباً، وفي حين بذلت جهود للحد من مبيعات الماس، أعلنت شركة ألروسا عن انخفاض بنسبة 2.8 في المئة فقط على أساس سنوي، حيث انخفض إنتاجها على مدار العام إلى 34.6 مليون قيراط، وهو ما يتوافق مع خطة الإنتاج الأولية، «على الرغم من البيئة الخارجية السلبية». ومن الناحية المالية، أدى ذلك إلى زيادة هامشية في المبيعات إلى 1.9 مليار دولار للأشهر الستة الأولى من عام 2023، في حين انخفضت الأرباح بنسبة 35 في المئة لتصل إلى 562.5 مليون دولار. حتى لو افترضنا المستحيل، بعدم إعادة استثمار أي أموال في ياقوتيا، منطقة التعدين الرئيسية في روسيا، أو في سبل عيش الأشخاص الذين يعيشون في درجات حرارة دون الصفر معظم أيام العام، فإن ذلك يعني أن شركة ألروسا يمكنها، من الناحية النظرية، المساهمة بما يقرب من 1.12 مليار دولار سنوياً لخزائن روسيا. فكيف يمكن أن يرقى ذلك إلى تكلفة الحرب؟

وفقًا لمنظمة الأبحاث غير الربحية «راند» (RAND)، بلغت التكاليف العسكرية المباشرة لروسيا حتى شهر سبتمبر 2022 نحو 40 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى ما يقرب من «132 مليار دولار حتى عام 2024». بناءً على هذه الأرقام، في المتوسط، تحتاج آلة الحرب الروسية إلى ما يقرب من 126.56 مليون دولار يومياً للتعبئة، مما يعني انخفاضاً يقل قليلاً عن تسعة أيام أو ما يقرب من 0.85 في المئة من إجمالي ميزانية الصراع ابتداء من 24 فبراير 2022 حتى التاريخ المتوقع في 31 ديسمبر 2024. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن إنتاج شركة «ألروسا» يهيمن عليه الماس الصغير، وهذا لا يعني فقط أن غالبية إنتاجها لن يكون مؤهلاً بموجب معايير العقوبات، بل إنه سيستمر في إيجاد طريقه إلى سلسلة التوريد العالمية دون مقاومة.

من المؤكد أنه بالنسبة لمجموعة السبع، حتى الدولار الذي يتم الحصول عليه من الماس هو مبلغ كبير جداً، ومع ذلك، مما يمنحهم فائدة الشك في أن كبح الإيرادات، مهما كانت صغيرة، هو جزء من كسب المعركة في سياق الحرب، فمن الضروري بعد ذلك فهم آثار هذه السياسات، لا سيما تجاه البلدان المنتجة وأصحاب المصلحة في سلسلة التوريد.

مواطن الخلل في أنتويرب

بناءً على مساهمة روسيا المعروفة، فإن الآلية المقترحة بين الاتحاد الأوروبي وبلجيكا سوف تمتد لتشمل حصة الأسد من الإنتاج الخام العالمي، الأمر الذي يتطلب إرسال جميع كميات الماس (ربما باستثناء كندا) إلى أنتويرب من أجل تصنيفها. ومع ذلك، فقد عبّر العديد من أصحاب المصلحة في الصناعة عن مخاوفهم بشأن تجميع الماس، وإمكانية التتبع، والشفافية، والحجم، والتنفيذ، والنظام المصرفي البلجيكي بالغ الصعوبة، وبالطبع تاريخ أنتويرب المتقلب مع الاحتيال والفساد.

لو بدأنا بالتجميع، بالنسبة للعديد من تجار الماس، يتم خلط الماس الخام من مصادر مختلفة لتحقيق قيمة مضافة قبل معالجته. وبموجب المخطط الجديد المقترح، يجب إرسال الماس بشكل منفصل لضمان التصنيف المناسب، مما يؤدي إلى مكاسب كبيرة لمقاولي الخدمات اللوجستية، تقابلها خسارة كبيرة للدول المنتجة والبيئة.

وعندما يتعلق الأمر بالتتبع والشفافية، فمن الصعب اتخاذ موقف، حيث لم يتم نشر التفاصيل الدقيقة بعد. ولكن من المؤكد أن الأسئلة التي قد ترغب الصناعة الأوسع في الحصول على إجابات عنها تشمل طبيعة المعلومات المطلوبة لكل ماسة، ومن لديه حق الوصول، أو القدرة على تحرير البيانات، وكم منها سيتم إتاحته للجمهور؟ ونظراً لأن أنتويرب توقفت عن نشر بياناتها في يناير 2022، فمن سيكون المسؤول عن توفير البيانات وهل يمكن الاعتماد عليها باعتبارها صادقة ودقيقة؟

وفيما يتعلق باللوجستيات والحجم، ما هي الاستعدادات التي قام بها مكتب أنتويرب للماس أو مركز أنتويرب العالمي للماس فيما يخص المناولة والمعالجة، وهل سيكون لديهما القدرة على التعامل الفوري مع 70 في المئة من إنتاج الماس الخام في العالم؟ وحتى لو تم إجراء الاستعدادات المناسبة، لم يتم اختبار صحة هذا المفهوم، مما يعني تأخيراً كبيراً في العمليات الحالية، وهو ما يضيف المزيد إلى ما كان بالفعل عاماً بطيئاً للغاية.

ووفقاً لبيتر كوفاكس، وهو رئيس وحدة في المفوضية الأوروبية، فإن هذا لا يهم، وهو شعور يشاركه فيه براد بروكس روبين، كبير المستشارين في وزارة الخارجية الأمريكية. لقد كانوا يعملون على تنفيذ آلية مجموعة السبعة التي ضغطت أنتويرب من أجلها، ومع ذلك، عندما التقيت بكوفاكس وفريقه في بلجيكا قبل بضعة أسابيع، ذكروا أنهم يتوقعون أن تواجه جميع الأسواق مشكلات مع سياسة مجموعة السبع الجديدة، والتي ستحتاج إلى التصحيح في الوقت المناسب. وعندما سُئل عن المدة التي سيستغرقها ذلك، لم تكن هناك إجابات محددة. ومن خلال تجربتي وحدها، سواء كان ذلك ستة أسابيع أو ستة أشهر، فإن الدول الإفريقية والصناعة بشكل عام لا تستطيع تحمل كل هذا الوقت من الانتظار. ومن المؤسف أن الرسالة المدوية التي أرسلها بيتر كوفاكس نيابة عن مجموعة السبع كان مفادها ببساطة ضرورة فرض العقوبات بأي ثمن. بعد أن قمت مؤخراً بزيارة جمهورية إفريقيا الوسطى ورأيت بنفسي الضرر الذي يمكن أن تلحقه السياسات العالمية ببعض المجتمعات الأكثر فقراً في العالم، فإنني أشعر بقلق عميق، ولا يسعني إلّا أن آمل أن تبدأ مجموعة السبع في التشاور بشكل صحيح مع جميع الدول غير الروسية المنتجة للماس - وليس فقط بوتسوانا، عوضاً عن تنفيذ تجربة غير مجرّبة، صممها التكنوقراط الذين ليس لديهم أي فهم لصناعة الماس والملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يعتمدون عليه في سبل معيشتهم.

إذا تم إجبار الشركات فعلياً على إرسال البضائع إلى أنتويرب، فهل سيُطلب من المزيد من الشركات أن يكون لها وجود تجاري في بلجيكا، أو فتح حساب مصرفي؟ إذا كان الأمر كذلك، فسوف يتعين القيام بالمزيد لجعل القطاع المالي أكثر ملاءمة للماس، مع الأخذ في الاعتبار موقفه الحالي الذي يعتبر صناعة الماس «عالية المخاطر». من خلال اتصالاتي الشخصية، أعرف أحد رجال الأعمال البلجيكيين الناجحين للغاية والذي قام بتنويع أعماله في تجارة الماس، حيث تلقّى رسالة من البنك الذي يتعامل معه تفيد بأن حسابه سيتم إغلاقه خلال أربعين يوماً بسبب نشاطه الجديد «عالي المخاطر». إذا كان هذا هو الاستقبال الذي حظي به المواطنون البلجيكيون، فأنا غير متأكد ما إذا كان تجار الماس المقيمون في إفريقيا سيكونون في حالٍ أفضل.

وأخيراً، هناك شبح الاحتيال والفساد، فبينما أقدّر اقتراح الاتحاد الأوروبي باختيار أنتويرب كخيار واضح لخطة العقوبات الخاصة به، نظراً لتاريخها الطويل في صناعة الماس، إلا أنها لا تخلو من حالات الاحتيال والفساد الموثقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4up48vw6

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"