الإمارات وضبط النفس

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
2

إن دولة الإمارات عندما تعرب عن قلقها البالغ تجاه التطورات الأخيرة بعد الرد الإيراني على قصف مبنى قنصليتها في دمشق، وتدعو إلى وقف التصعيد، وعدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر في المنطقة، وتؤكد التمسك بسيادة القانون واحترام ميثاق الأمم المتحدة، وتدعو إلى ضبط النفس لتجنب التداعيات الخطرة وانجراف المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار، إنما تنطلق في ذلك من حرصها على أمن المنطقة والعالم، ثم باعتبارها دولة تؤمن بالسلام خياراً وحيداً للبشرية.

والقلق الإماراتي مردّه الخوف من تداعي الأحداث بما يهدد السلام في المنطقة، خصوصاً أن تداعيات الحرب في غزة قد يتسع مداها بما لا يمكن تصوره، لذلك تؤكد ضرورة الحاجة إلى السلام عبر الدبلوماسية وفي إطار الاستقرار والازدهار والعدالة، لأنه البديل المنطقي الوحيد، وإلا فالحرب بكوارثها ومآسيها.

الرد الإيراني بالصواريخ والمسيّرات على تعرّض قنصليتها في دمشق للقصف، أثار الكثير من المخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب تخرج عن السيطرة، لكنه لم يكن مفاجئاً، فقد هددت طهران بالرد، وأعلنت الولايات المتحدة قبل يومين أن إيران سوف ترد، واتُخذت الاستعدادات العسكرية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى للتصدي للهجوم الإيراني الذي تم ليلاً.

أي أن الرد كان مقرراً، وكذلك مداه وحدوده وشكله ومن ثم نتائجه، وكان مدروساً ومحسوباً بدقة وفي إطار محدد، وبمعرفة الولايات المتحدة التي أجرت على مدى الأيام القليلة الماضية اتصالات عبر أطراف ثالثة مع طهران في محاولة لضبط رد الفعل الإيراني والحؤول دون تدحرج الأوضاع إلى حد يستحيل ضبطها، ما يؤدي إلى توسيع رقعة الصراع وانخراط أطراف إقليمية ودولية فيه مع ما يحمله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن والسلام العالميين.

ولأن إيران تدرك أيضاً مخاطر التصعيد وتوسيع رقعة الحرب عليها في الداخل وعلى مصالحها في المنطقة، ولأن الولايات المتحدة التي تخوض حرباً بالواسطة في أوكرانيا، وتخوض تنافساً شرساً مع الصين في أكثر من منطقة، وتقفان في مواجهة أزمة تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتستعد لانتخابات رئاسية غير مسبوقة ربما تهدد نجاح الرئيس جو بايدن، فهي أيضاً ورغم تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ليس من مصلحتها أن تفلت الأمور نحو صراع أوسع قد لا يكون في مصلحتها أيضاً. لذلك مارس بايدن وفقاً لما أكده أكثر من مسؤول أمريكي ضغوطاً على بنيامين نتنياهو لكبح جماحه بعدم الرد على الهجوم الإيراني والاكتفاء بما حصل وبالحدود التي بلغها، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية باتت تدرك أن نتنياهو يحاول توريطها مباشرة بالحرب كي يخرج من أزمات تهدد مصيره السياسي.

إن المنطقة تعيش واحدة من أخطر المراحل في تاريخها وسط حرب إبادة تخوضها إسرائيل في قطاع غزة مع كل ما تحمله من كوارث إنسانية غير مسبوقه، وإصرار على إلغاء الشعب الفلسطيني وحقوقه، ووسط غزو يومي للمستوطنين المتطرفين على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية وتهديدها بالتهجير والاستيطان.

أمام هذا الواقع، لا بد من موقف عاقل يأخذ بالحسبان المخاطر التي تهدد الأمن والسلام الدوليين، ولا يتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في الحياة.

المنطقة تعيش وسط برميل بارود متفجر، ولا سبيل لتعطيله إلا بالسلام القائم على الحق والعدل، ونبذ منطق القوة والتطرف، والتمسك بالشرعية الدولية والمبادئ الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zwhwtym

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"