عادي
صدر في الشارقة

أصل واحد للمرويات الشعبية في العالم

23:35 مساء
قراءة 5 دقائق
د. خالد أبو الليل - غلاف

الشارقة - عثمان حسن

تسعى الدراسات الحديثة التي تبحث في السيرة الشعبية عند مختلف الأمم والشعوب، إلى البحث عن الأصل الإنساني في مجمل الحكايات الشعبية التي قام برصدها مختصون وباحثون عالميون في مجال التراث، وهذا ما يخلص له كتاب الباحث الدكتور خالد أبو الليل وعنوانه (الحوار بين الشرق والغرب في ضوء الثقافة الشعبية) الذي صدر عن معهد الشارقة للتراث.

يبرز الكتاب دور التراث والإحساس بقيمته عند كل الأمم والثقافات، ويسعى لديمومة الحفاظ عليه وصونه من الاندثار، وهو يسعى لتقديم صورة متنوعة من أشكال التراث الأممي منطلقاً من الحكايات الشعبية، وباحثاً عن منهجية جديدة للتحاور بين الثقافات والشعوب.

يؤكّد د. خالد أبو الليل في مقدمة الكتاب أنّ قضية التشابه بين الحكايات الشعبية، قد دفعت الباحثين والدارسين منذ وقت مبكر في القرن التاسع عشر، إلى محاولة تفسير هذا التشابه، فتعددت في ذلك النظريات والمناهج، والكتاب يؤكد أنّ هناك تشابهاً بين السيرة الشعبية العربية والملحمة الغربية، ذلك من واقع التصنيفات التي بحثت في الحكايات الشعبية في كافة المجتمعات الإنسانية، سواء تلك الأبحاث التي قام بها الفنلندي آنتي آرني، أو الأمريكي ستيث طومسون، أو الروسي فلاديمير بروب، فكل حكاية في تصنيفات هؤلاء، تضمنت روايات مشتركة من شتى المجتمعات الإنسانية.

رتب د. أبو الليل كتابه من خلال (مدخل 1: الحكي / الأطفال / مستقبل الحوار)، (مدخل 2: مادة الدراسة / فرضيتها / منهجيتها) و (بين السير الشعبية العربية والملاحم الغربية) و (الحكايات الشعبية وتشابه نصوصها عالمياً / الحواديت نموذجاً) و (الحكاية الشعبية: النظريات والتصنيفات الغربية لدراسة التشابه وتفسيره) و (الحكاية الخرافية بين الدول العربية والاسكندنافية) و (الحكاية الشعبية بين مصر وألمانيا)، كما تضمن كتاب د. أبو الليل ملحقاً لنصوص وحكايات شعبية من الثقافات الإنسانية المختلفة، مقدماً عدة نماذج لمرويات حكائية تتشابه في عديد من الدول العربية والأجنبية.

يعتقد د. أبو الليل أنّ هناك تشابهاً كبيراً بين الحكايات الشعبية في الثقافات الإنسانية المختلفة، الأمر الذي يؤكّد على عمق العلاقات بين هذه الثقافات، فقدم في كتابه دراسة مقارنة بين الحكاية الشعبية العربية (خاصة الحواديت) ونظيراتها في ألمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية، كما تؤكّدها دراسات أجريت على الحواديت في روسيا وأمريكا، وفي حضارات سابقة مثل المصرية القديمة واليونانية والهندية والفارسية وغيرها.

يسعى التشابه بين الحواديت -على مستوى العالم- إلى تحقيق الرسالة الإنسانية وغرسها في نفوس الأطفال، وهو الجمهور الأساسي لها، وتتمثل هذه الرسالة في أن كل أطفال العالم سواسية، فالكل تم تنشئته على نفس الإيقاع، ونفس الحكايات، فالأطفال يتربون على هذه الحكايات، وعندما يتقدم بهم العمر تختلف الأنواع الأدبية الشعبية التي يستمعون إليها، مثل السير والملاحم الشعبية، والنصوص التي يتلقونها، لاختلاف ميولهم الشخصية، وظروفهم الاجتماعية.

بين السيرة والملحمة

يفرق الكتاب بين السيرة وبين الملحمة، فالأولى هي فن شعبي عربي، أما الملحمة فهي فن شعبي غربي، ورغم اختلاف المصطلح الذي يطلق على كل منهما، ورغم ما بينهما من اختلافات بنيوية أو مضمونية، فإنّهما تشتركان في كثير من خصائصهما الفنية، ولقد خلص الباحث أحمد شمس الدين الحجاجي في دراسته للعلاقة بين السيرة العربية والملحمة الغربية إلى وجود درجة عالية من التشابه فيما بينهما، إلى الحد الذي جعله يعتبر بنية الملحمة جزءاً أو باباً من السيرة الشعبية، فالسيرة هي الكل، في حين أن الملحمة هي الجزء، وقد تجاوزت التشابهات التي بين هذين الفنين ما بينهما من اختلافات في بعض الأحيان على مستوى البنية والنص، وأيضاً على مستوى اللغة والمكان لكون أولهما عربياً والثاني غربياً.

ومن المتشابهات المهمة بين هذين الفنين تركيزهما على موضوعات من قبيل الحرب والفروسية، يسرد الدكتور أبو الليل نماذج من ملحمتي الأوديسة والإلياذة، ويقدم نظيراً لهما من السير الشعبية العربية، كسيرة (الأميرة ذات الهمة)، وسيرة (عنترة بن شداد) وسيرة (بني هلال) وغيرها.

الحدوتة

الحدوتة كما يؤكّد الكتاب، هي أحد الأنواع الأدبية الشعبية الفرعية التي تندرج تحت المصطلح العام (الحكاية الشعبية)، وهي نوع أدبي شعبي (نصري) تتشابه نصوصه وقيمته الفكرية التي يحملها من منطقة إلى أخرى، وتشيع مصطلحات أخرى (عربية وأجنبية) ترادف هذا المصطلح، مثلاً، يرادف هذا المصطلح معناه في النصوص الأدبية في شمال إفريقيا، فيسمون هذه الحكايات (خرافات) كما يرادفه في كثير من البلاد العربية في قطر وفلسطين، كما يشابه الكثير من الحواديت والحكايات الشعبية في ألمانيا وروسيا والدنمارك وبريطانيا وأمريكا وغيرها من بلاد العالم، وبتسميات مختلفة.

ويؤكد د. أبو الليل أنّ أكثر رواة الحواديت من النساء، وهو الأمر الذي سبق أن أكّده رواة الأدب الشعبي، فأحمد أمين يعلق على مجموعة الحواديت التي يوردها في قاموسه بأنّها حواديت تحكيها العجائز وخاصةً بالليل، وهو ذات الأمر الذي سبق وأكّده محمد لطفي جمعة: (..في بعض البيوت الكبيرة تكون العجائز المصدر الأول لهذه الحكايات).

لا تقتصر عناصر التشابه بين الحواديت العربية ونظيراتها الغربية على طبيعة الأداء، وفي بعض الخصائص الفنية بينها، بل تتجاوز ذلك إلى وجود متشابهات بينها على مستوى المضمون والأفكار التي يتم تناولها في ثنايا النصوص، ففي القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين شغلت قضية التشابه بين الحكايات الشعبية، وتناقل روايتها على المستوى الشفاهي بين كل الشعوب اهتمام الباحثين، فراحوا يدرسون هذا التشابه، فتعددت النظريات المفسرة لهذا التشابه ما بين «النظرية الانتشارية» و «وحدة الأصل» و «هجرة الحكايات الشعبية» كمحاولة للتوصل إلى تقديم تفسير علمي لظاهرة التشابه هذه وانتشار روايتها الشفوية بين الشعوب.

يورد الكتاب عدداً لا بأس به من (التشابهات) بين الحواديت العربية ونظيراتها الغربية، ومن ذلك (التكرار)، فالتكرار كما يؤكّد المؤلف هو أحد الخصائص الفنية الشكلية العامة التي تشترك فيها الحواديت على مستوى العالم، وهو أسلوب يعتمده الرواة كثيراً لأسباب بعضها يتعلق بطبيعة الجمهور، وهو الإلحاح على غرس قيمة اجتماعية معينة، فالتكرار يؤكد ذلك. والبعض الآخر يتعلق بطبيعة النص الشعبي بوصفه نصاً شفوياً في المقام الأول، ولا تختلف الحكايات الشعبية العربية والاسكندنافية عن ذلك، والتكرار يأخذ أشكالاً متعددة في هذه الحكايات، فهناك تكرار لثلاث مرات يطال الحدث نفسه، فالأب في القصة النرويجية «القزم والشقيقات الثلاث» وفي نظيرتها المصرية، يريد واحدة من بناته أن تذهب إلى الطاحونة لطحن الحبوب، غير أنهن لا يعرفن الطريق إليها، لذا فهو (الأب) يذهب -أولا- فيضع «التبن» في الطريق، ليشير إلى الاتجاهات، ولقد تكرر هذا العدد ثلاث مرات.

الذئب والعنزات السبع

يفرد مؤلف الكتاب تفصيلاً مهماً يقارن بين الحكاية الشعبية بين مصر وألمانيا، وأنّ هناك تشابهاً كبيراً، من واقع ما جمعه من حكايات (الأخوين جريم) في النصف الأول من القرن ال 19، وهي المعنونة ب «حكايات الأطفال والبيوت» ويضرب مثالاً بتلك الحواديث التي تتكرر روايتها بين الأخوين جريم والرواة الشعبيين المصريين، ويتجلى ذلك في رواية «الذئب والعنزات السبع الصغار»، حيث تشترك الرواية الألمانية مع نظيراتها المصرية في البنية الأساسية للحكاية، وأيضاً في كثير من التفاصيل الدقيقة، ورغم هذا فإنّ ثمة اختلافات طفيفة بينهما لا تؤثر في الإطار العام للحدوتة.

الحكايات الشعبية تمثل كتاب تربية وتنشئة للأطفال على مستوى العالم.

على المستوى الشكلي نلاحظ اشتراك الحواديت في الصيغ الافتتاحية التقليدية.

اقتباسات

درجة التشابه بين نصوص الحواديت على المستوى العالمي كبيرة، سواء في الشكل أو المضامين.

ثمة خصائص فنية مميزة للحدوتة بوصفها نوعاً أدبياً شعبياً.

لا تقتصر خاصية ربط رواية الحدوتة بالنساء على مصر، بل هي ظاهرة عالمية.

حدوتة «نصوع الثلج» حكاية شعبية ألمانية تتشابه كثيراً مع المصرية «فرط الرمان والمراية».

الناشر: معهد الشارقة للتراث

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c22jtnr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"