الخصوصية المفقودة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في عالم يتزايد فيه الإفصاح عن الخصوصيات وتبادل المعلومات بشكل غير مسبوق، تأتي مقولة الكاتبة الأمريكية مارجوري ستونمان دوغلاس لتضيء على مفارقة اجتماعية ملحة «في بعض الأحيان قد نخبر الناس بأكثر مما هم بحاجة إلى معرفته». كلمات ترنم بها الضمير الجماعي، محذرة من عواقب الإفراط في المشاركة، وتعكس حاجتنا الماسة لإعادة النظر في كيفية التواصل مع الآخرين.

تشهد الساحة الرقمية طفرة بلا هوادة في تبادل المعلومات، حيث تتسابق المنصات الاجتماعية في تشجيع المستخدمين على «المشاركة»، ويصبح الخط الفاصل بين الخاص والعام غير واضح، وتعتبر المعلومات الشخصية عملة رائجة في سوق التواصل الاجتماعي، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى أي مدى يجب أن نذهب في هذه المشاركة؟ تأتي الإشكالية حين يتحول الإفصاح الزائد إلى عادة، مما قد يؤدي إلى تداعيات نفسية واجتماعية، فمن الناحية النفسية، يمكن أن يقلل الإفصاح المفرط من قيمة المعلومات الشخصية ويؤدي إلى الشعور بالفراغ عندما لا نجد الاهتمام المتوقع من المتلقين، واجتماعياً، قد يؤدي إلى تشويش الحدود بين الفرد والآخرين، ويفقد الأشخاص السيطرة على كيفية إدراك الآخرين لهم.

يحتاج الأفراد إلى إعادة تقييم ما يشاركونه مع الآخرين، وتحديد الضرورة والأهمية لما يُكشف، ويجب التفكير ملياً قبل البوح بتفاصيل قد لا تخدم سوى زيادة «الضجيج» الاجتماعي، دون أن تضيف قيمة حقيقية لمن يسمعها، والحكمة تكمن في معرفة متى وكيف ولمن نتحدث.

يمثل الحفاظ على الخصوصية تحدياً مستمراً في زمن يسهل فيه التجاوز عن الحدود الشخصية، حيث يتطلب الأمر وعياً ذاتياً وتحكماً في الدوافع وراء كل ما نشاركه، ولابد من ضبط النفس وإدراك أن الصمت قد يكون في بعض الأحيان أبلغ من كثير من الكلام.

يبقى الكلام زخرف الفكر ووسيلة للتعبير عن الذات، لكن مارجوري دوغلاس تذكّرنا بضرورة التوازن، ليس كل ما نعرفه يجب أن يقال، وليس كل ما يقال يجب أن يُعرف، وفي تمييز الضروري عن الزائد، نجد فن التواصل الحقيقي الذي يثري العلاقات الإنسانية ويحفظ جوهر الخصوصية.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xjtzk2h

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"