عادي

تعرف إلى تمبكتو المدينة الأسطورية

19:57 مساء
قراءة 4 دقائق
مهربو كتب تمبكتو

القاهرة: الخليج

في كتابه «مهربو كتب تمبكتو.. السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من أجل إنقاذ كنوزها» (ترجمة محمد حامد درويش) يدخل تشارلي إنجليش بنا إلى عوالم غامضة تصل إلى حد السحر، حين يقول: من بين ملايين الوثائق التي يمتلكها الأرشيف الوطني التابع للحكومة البريطانية يوجد ملف، ليس موضع طلب كبير، ففي نهاية الأمر هذه المحفوظات تحوي أوراقاً تغطي ألف سنة من التاريخ البريطاني، ومعظم زائري غرف الاطلاع يأتون بحثاً عن «وصية شكسبير» أو الملفات التي جرى إتاحتها عن خونة وجواسيس الحرب الباردة.

مع ذلك كل بضعة أعوام سيطلب شخص ما ملف وزارة المستعمرات، ليرى مخطوطات مرسلة من القنصل البريطاني في طرابلس إلى لندن في منتصف العقد الثالث من القرن التاسع عشر، وبعضها يتضمن الرسائل الأخيرة لمستكشف مغمور هو ألكسندر جوردون لينج وتغطي فترة حملته لاكتشاف عاصمة وسط إفريقيا النائية الشهيرة، بحسب وصفه لمدينة تمبكتو، التي هيمنت على أفكار أوروبا كان يعتقد أنها منطقة غنية جنوب الصحراء.

1

*شائعات

كانت الشائعات عن وجود المدينة قد سرت في أوروبا لمئات السنين، وذاع صيت ثرائها منذ القرن الرابع عشر، وقيل إن منازلها كانت مغطاة بالذهب، وكان عشرات الرحالة قد أرسلوا للعثور عليها لكن كل محاولة كانت تبوء إما بالموت وإما بالفشل، وفي عام 1824 عين لينج قائداً لبعثة بريطانية جديدة لتحديد مكان المدينة، رغم أن قائده كتب إلى وزير المستعمرات يقول: «إن إنجازات لينج العسكرية كانت أسوأ حتى من شعره».

بعد مغامرات قاسية حقق لينج حلمه الكبير بدخوله تمبكتو في الثالث عشر من أغسطس عام 1826 ليكتب رسالة إلى قائده أنه مشغول بالتفتيش في السجلات الموجودة في المدينة وهي وفيرة، وكانت تلك الرسالة «أول رسالة على الإطلاق تكتب من ذلك المكان على يد رجل مسيحي»، ومن ناحية تقديم معلومات عن هدف عظيم للجغرافيا الأوروبية كانت رحلة لينج الاستكشافية فاشلة، فما نوع السجلات الوفيرة التي تحصل منها على معلومات من كل نوع؟.

بعد قرنين تقريباً كانت السجلات الموجودة في المدينة معروفة باسم «مخطوطات تمبكتو» العربية وكانت بمئات الآلاف، وكان لينج أول أوروبي تقع عيناه عليها، واعتبرها الخبراء المعادل الإفريقي لمخطوطات البحر الميت أو الوثائق الأنجلو ساكسونية التي تعد بمنزلة دليل على تاريخ القارة المكتوب النابض بالحياة.

وفي عام 2012 بدا أن ذلك التاريخ معرض للتهديد، فبعد انقلاب في جنوب مالي سيطر على تمبكتو مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبدأوا يهدمون أضرحة أولياء الله الصوفيين التي يبلغ عمرها قروناً وفي الثامن والعشرين من يناير عام 2013 أعلن عمدة تمبكتو للعالم أن كل مخطوطات المدينة القديمة قد أحرقت هي الأخرى، كان الجهاديون يهدمون آثار المدينة ويحرقون النصوص التاريخية، التي هرب بعضها على يد رجال مكتبات المدينة.

*قلق

كان القلق يساور منظمات العناية بالتراث خارج مالي، في اليوم التالي لاستيلاء جماعة أنصار الدين على مقاليد الأمور، أصدرت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو تحذيراً بشأن المباني التاريخية، وتوقع كثيرون وجود خطر كبير على المخطوطات، وقال رئيس مشروع مخطوطات تمبكتو التابع لجامعة كيب تاون: «ليس لدي ثقة في المتمردين»، ثم أضاف: «ربما يكون القائمون على قيادتهم من المتعلمين لكنهم يرسلون جنوداً يتصفون بالجهل، وإذا رغبوا في شيء فسيأخذونه لن يكون لديهم أي احترام للثقافة الورقية».

وكان الأهالي يقولون: «إن يصدق المرء أن هؤلاء الناس الذين قالوا إنهم مسلمون يمكن أن يأخذوا شيئاً كان إسلامياً ويشعلوا فيه النار، لم نظن أبداً أن ذلك يمكن أن يحدث، كان أسوأ شيء يمكن أن يفعلوه بنا، أي شيء إلا ذلك» وقالوا: «إن كانت المخطوطات بطريقة ما مخالفة لأيديولوجيتهم كانوا سيتلفونها عندما وصلوا، لكنهم كانوا قد احتلوا المبنى مدة عشرة شهور وانتظروا حتى عشية مغادرتهم ليحرقوها، لأنهم كانوا مهزومين اضطروا لأن يغادروا، كانوا يعرفون القيمة الدولية والعلمية للمخطوطات وما تساويه لذا تعين عليهم أن يحرقوها».

*تحليل

هذا الكتاب تحليل للتاريخ بقدر ما هو كتاب تاريخ، فقد فشل المستكشفون مرة تلو أخرى في اختراق المدينة الغامضة، وعندما وصل إليها لينج بعناء شديد وهو على وشك الموت، كان الأوروبيون قد أمضوا خمسة قرون ينسجون خيالات حولها، وطغت تمبكتو التي في الأذهان على حقيقة المكان، وأقام هناك خمسة أسابيع دون أن يرسل كلمة واحدة إلى الوطن، وعندما كان مجبراً على الكتابة لم يفصح عن شيء، يمكننا أن نتخيل أن المدينة العظيمة التي راودت لزمن طويل الخيال الأوروبي كانت بلدة صغيرة ذات أبنية متواضعة من الطوب اللبن.

تندرج قصة تمبكتو العظيمة في القرن الحادي والعشرين رواية وقائع إجلاء المخطوطات، ضمن الحديث عن المدن الأسطورية، تبدو القصة وكأنها قصة من قصص «أنديانا جونز»، لكنها في عالم الواقع قصة أنقذ فيها أهل مدينة الأولياء بقيادة رجال المكتبات تراثهم شبه السحري من أيدي الجهاديين، الذين يحرقون الكتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4s983kep

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"