سعد الله ونّوس.. والأجيال

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
أهدى الكاتب المسرحي السوري سعدالله ونّوّس أعماله الكاملة، التي صدرت في ثلاثة مجلدات، إلى ابنته، ومن خلالها إلى جيلها والأجيال التي تليها، متمنيّاً «أن تكون الطاقات المخزونة في أعماقهم أقوى من الهزيمة، ومن يدري، فقد يجدون الجملة السحرية التي يغدو بها الزمن جميلاً، والوطن مزدهراً»، ليحققوا ما عجز الجيل الذي إليه ينتمي ونوّس، وسابقوه، عن تحقيقه.

عكس نصّ هذا الإهداء تعويل ونّوس على الأجيال الجديدة، وهو تعويل أتى من التجربة الملموسة للكاتب، الذي حققت مسرحياته المهمّة نجاحاً منقطع النظير، حين عرضها على خشبات المسرح في وطنه سوريا، أو في بلدان عربية أخرى، وقد تحدث ونّوس عن ذلك، ضمن أشياء، تناولها في حوار ضمّه كتاب «بوح المبدعين» لهالة البدري، الذي جمعت فيه عشرات الحوارات التي أجرتها مع مبدعين من مختلف البلدان. والتجربة الملموسة التي خلقت في نفس الكاتب ثقته بالجيل الجديد تتصل بمجال إبداعه، ونشاطه، أي المسرح.

في نهاية السبعينات الماضية توقف سعد الله ونوس عن الكتابة المسرحية نحو ست سنوات. وردّ ذلك إلى حال من اليأس انتابته، حين بدا له مكر التاريخ رهيباً وفظيعاً «فتقوضت في النفوس الأحلام، وتبدّدت بين الأيدي وأمام العيون»، لكنه سرعان ما اكتشف أن سبب شعوره بالياس آت من كونه «هشاً»، كما وصف نفسه في ذلك الحوار، فالمجتمعات ما زالت حيّة، ومصدر هذه اليقظة، أو المراجعة للنفس، هو أن أجيالاً جديدة فاجأته بأنها تتشكل وتُكوّن عدّتها، منطلقة مما حققه الجيل السابق لها الذي كان ونّوس أحد وجوهه، وأن هذه الأجيال تملك القوة لمواصلة العمل، ما جعله يدرك أن يأسه كان مبكراً، وأن نفَسه القصير هو الذي جعله يشعر كأن التاريخ يخدعه، ويتقهقر به إلى الوراء.

ولكونه كاتباً مسرحياً، فإن ونّوس، وفي سياق حديثه عن طغيان ما يعرف بالمسرح التجاري، وتوسع الإنتاج التلفزيوني، وما يقدّمه من إغراءات ويفرضه من صعوبات، لاحظ أن تخرّج أجيال جديدة من المعهد العالي للفنون المسرحية، أتاح هوامش للعمل المسرحي الجاد، وهي إشارة تُنبهنا إلى دور التعليم عامة في النهضة الثقافية والفنية لأي مجتمع، فكيف يمكن أن نتوخى تطوّر المسرح، أو الموسيقى، أو سواهما، من الفنون في غياب معاهد تعليمية متخصصة تعدّ الأجيال الجديدة، وتُكوّنها بالمعرفة، وتصقل مواهبها وتُنمّيها؟

ونحن نتحدث عن الجيل الجديد فإن ما يصحّ على مجال المسرح، يصحّ على مجالات الحياة الأخرى، فجذوة الوعي لدى هذه الأجيال تبقى متّقدة، ولكنها بحاجة لمن يأخذ بأيديها، ويرهف السمع لقلقها، وهواجسها، وطموحاتها، فهي المستقبل الذي نطمح إلى أن يكون واعداً، ومضيئاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/r23havj3

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"