مستقبل خط أنابيب طاقة سيبيريا 2

21:56 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

حظيت زيارة الدولة للرئيس الروسي بوتين إلى بكين، بسيل من التحليلات الغربية، باعتبارها الزيارة الخارجية الأولى له، منذ تنصيبه الأسبوع الماضي لولاية خامسة، مذكرين بأن الزعيم الصيني شي جين بينغ اختار روسيا لتكون أول رحلة خارجية له في مارس/ آذار 2013، وباعتبار أن الاجتماع بين شي وبوتين هو أول قمة ثنائية بينهما، منذ زيارة الزعيم الصيني إلى الكرملين في مارس 2023، عندما تعهد الزعيمان بتعميق التعاون السياسي والاقتصادي الصيني الروسي.

كما التقى الزعيمان أيضاً في أكتوبر الماضي عندما حضر الزعيم الروسي، في بكين الاحتفال بمرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق. وهي المرة الثالثة والأربعون التي يلتقي فيها الزعيمان، وعلى الرغم من الطبيعة شبه الروتينية للاجتماعات بين الرئيسين الروسي والصيني، اللذين يلتقيان ثلاث مرات على الأقل سنوياً في اجتماعات متعددة الأطراف (قمم مجموعة العشرين، ومجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون)، فإن هذه الزيارة تتمتع ببعض الخصائص الفريدة. فهي بمثابة اختبار لحدود الإعلان عن الشراكة الشاملة والعلاقات الاستراتيجية «بلا حدود» بين روسيا والصين، التي أُعلن عنها في فبراير/ شباط 2022، مع التنويه باحتفال الزعيمين بالذكرى الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين والاتحاد السوفيتي. وشعور بوتين بالارتياح إزاء حقيقة أن التجارة بين بلاده والصين ارتفعت بشكل حاد. وفي عام 2023، وصل إلى 240 مليار دولار (221 مليار يورو) وهو ارتفاع هائل من 147 مليار دولار في عام 2021. وهذا الرقم تجاوز علامة 200 مليار دولار، التي حددها شي وبوتين كهدف لعام 2025.

ومع ذلك، فقد كان تركيز التحليلات بصورة واضحة عن مستقبل خط أنابيب طاقة سيبيريا 2، في سياق تحليل علاقات الطاقة بين الصين وروسيا، فقد كانت العلاقات التجارية في مجال الطاقة بين الصين وروسيا كبيرة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، ونمت بشكل أكبر منذ ذلك الحين. وفي الفترة 2021-2023، زادت صادرات النفط الخام الروسية إلى الصين بمقدار الثلث، في حين تضاعفت صادرات الفحم والغاز الطبيعي المسال تقريباً.

وفي عام 2023، أصبحت روسيا أكبر مورد للصين للنفط الخام، وثاني أكبر مورد للفحم، وثالث أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال. وتعد روسيا أيضاً مصدراً متزايداً للغاز عبر خط أنابيب طاقة سيبيريا 1 (PS-1) من 10.4 مليار متر مكعب في عام 2021، إلى 22.7 مليار متر مكعب في عام 2023، وهو ما يمثل 34% من واردات الغاز الصينية. وتتوقع روسيا أن يصل خط أنابيب PS-1 إلى 38 مليار متر مكعب بالكامل، بحلول عام 2025.

وترى تلك التحليلات الغربية، أنه عندما يتعلق الأمر بصادرات الغاز الطبيعي الروسي، فإن الجغرافيا السياسية هي الاعتبار الأول بالنسبة لروسيا، وأنه حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الغاز يُستخدم على نطاق واسع باعتباره «عملة جيوسياسية» في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، وأن روسيا عرضت الغاز بأسعار أقل من السوق، مقابل المواءمة الجيوسياسية أو السيطرة على البنية التحتية الحيوية للطاقة. وقد أعلن الرئيس بوتين أن روسيا والصين ومنغوليا أكملت جميع الاتفاقات بشأن خط أنابيب «قوة سيبيريا 2»، لشحن الغاز الروسي إلى الصين، وسينقل خط الأنابيب المقترح 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، من روسيا إلى الصين عبر منغوليا، وسترسل روسيا إلى الصين ما لا يقل عن 98 مليار متر مكعب من الغاز بحلول عام 2030.

يأتي ذلك بالتزامن مع زيادة الطلب الصيني على الغاز، ويبلغ استهلاك الصين السنوي من الغاز أكثر من 331 مليار متر مكعب. ويتوقع أن تُقدم الصين على زيادة استهلاكها من الغاز ليصل إلى 526 مليار متر مكعب، بحلول 2030، بالتزامن مع خططها لتقليص الاعتماد على الفحم كأحد المصادر الرئيسية للطاقة. والاعتماد على الغاز الطبيعي في إطار مساعي بكين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، وحاجتها إلى التخفيف من تداعيات أي حرب تجارية محتملة في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا.

لكن التحليلات الغربية تشكك في الأمر، وترى أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن إنجاز الاتفاق على خط أنابيب طاقة سيبيريا 2، وترجع ذلك إلى امتناع الصين عن الالتزام به، وتعلل السلوك الصيني بعدة احتمالات:

( أ ) فهناك من يرى أن عدم استعجال الصين لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية PS-2، يرجع الى أنه من غير المرجح أن تحتاج الصين إلى الغاز، قبل منتصف ثلاثينيات القرن الحالي.

(ب ) وهناك من يرى أنه يمكن للصين أيضاً زيادة واردات خطوط الأنابيب من آسيا الوسطى، عبر مشروع الخط D المتوقف، والذي يمكن أن يوفر 30 مليار متر مكعب إضافية سنوياً من تركمانستان في حالة اكتماله.

(ج ) وترجح معظم التحليلات الغربية أنه إذا تمكنت الصين من تأمين سعر جذاب لغاز خط أنابيب طاقة سيبيريا 2، واستمرت علاقات الصين مع الولايات المتحدة في التدهور، فقد يكون ذلك حافزاً لبكين لعكس مسارها. وبالتالي فإن استكمال خط PS-2، إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يتم بشروط الصين، ويمكن أن يعيد تشكيل أسواق الغاز العالمية بطرق مهمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tbdwr4bz

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"