عادي

هل قصفت بريطانيا بلفاست؟.. ردّ قوي من كريم خان على منتقدي قرارات «الجنائية الدولية»

18:13 مساء
قراءة 4 دقائق

بدا المدعى العام للمحاكمة الجنائية الدولية، كريم خان، مدافعاً صلداً عن قراره الذي طلب فيه إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، وثلاثة من أبرز قادة حماس، إذ قدم معلومات لتأكيد صحة موقفه، وعدم تردّده للحظة واحدة، رغم علمه بأنه يدخل في حقل ألغام سياسي، معطياً مثالاً تاريخياً قوياً، في أول مقابلة أجراها بعد القرار غير المسبوق، مع صحيفة «التايمز».

وباعتبار أن كريم خان الذي يحمل الجنسية البريطانية ينتمي إلى «أقلية مضطهدة»، على حدّ وصفه، إذ تعرض والداه لهجوم في قاعة بلدية يوركشاير، وكذلك باعتباره المدعي العام للجنائية الدولية، فإنه يصر على أنه لم يكن لديه أي خيار آخر، قائلاً: «هل نريد أن نعيش في عالم يُطبق فيه القانون بالتساوي أم عالم نغمض فيه أعيننا ونبتعد بسبب ولاءاتنا؟».

خان ردّ على انتقادات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي وصف قراره بأنه «شائن»، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني سوناك الذي اعتبره «غير مفيد على الإطلاق»، قائلاً «مهمتنا ليست تكوين صداقات.. إنها القيام بعملنا، سواء تم التصفيق لنا، أو الإدانة.. علينا أن نؤكد القيمة المتساوية لكل طفل، وكل امرأة، وكل مدني في عالم يتزايد فيه الاستقطاب، وإذا لم نفعل ذلك، فما الفائدة منا؟»

حادثة «المرأة الحديدية»

وعندما سئل خان مؤخراً، من قبل مسؤول كبير عما يمكن أن تفعله إسرائيل نظراً لأنها لا تعرف مكان وجود الرهائن، في الأنفاق أو المنازل، أو كيف يتم الاحتفاظ بهم، أعطى مثالاً ببريطانيا، مذكراً بأحداث أيرلندا الشمالية. وقال خان: «إن البريطانيين لم يقصفوا عاصمة بلفاست كردّ فعل على الهجمات»، وقال:«إن الإيرلنديين حاولوا اغتيال رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر (المرأة الحديدية)، وإن النائب البريطاني إيري نيف واللورد مونتباتن قتلا في انفجار قنبلة.

وأضاف: «لكن البريطانيين لم يقولوا: «حسناً، (هناك في وسط مدينة بلفاست) قد يكون أعضاء من الجيش الجمهوري الإيرلندي، ومتعاطفون معهم على طريق فولز رود، وبلا شك، لذا دعونا نسقط قنبلة تزن 2000 رطل على تلك الطريق». مؤكداً «لا يمكنك فعل ذلك».

واستطرد خان: «يجب أن يكون للقانون غرض ما، وهذا ما يفصل بين الدول التي تحترم القانون، والجماعات الإجرامية والإرهابيين. وهذا كل ما كنت أحاول القيام به، تطبيق القانون على أساس الحقائق، وهذا ما يجب أن نفعله مهما كانت الإدانة التي نتلقاها».

كريم خان البالغ 54 عاماً، ولد في إدنبرة لأم بريطانية، وأب باكستاني، ونشأ في يوركشاير حيث كان والده يعمل استشارياً في الأمراض الجلدية. ثم التحق بمدرسة سيلكواتس، وهي مدرسة خاصة في غرب يوركشاير. ومن المعروف أنه ينتمي إلى الطائفة الأحمدية، وتمثل أقلية في باكستان. وفي عام 1989، بينما كان يدرس القانون في كلية كينغز كوليدج في لندن، واجهت أسرته العنف مجدداً، حيث قال: «لقد تعرض والدي وأمي وأخي الأصغر وابن عمي لهجوم عرقي طائفي».

وبنى خان حياته المهنية في النيابة العامة، ثم في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. ومن هناك شق طريقه إلى المحاكم الخاصة في لاهاي، وأسس في البداية سمعته كمحامي دفاع. وعندما ترشح لمنصب المدعي العام في عام 2021، رفضت المملكة المتحدة في البداية دعمه. وعلى جدار مكتبه في لاهاي توجد رسالة مؤطرة من وزير العدل آنذاك، دومينيك راب، يرفض فيها طلبه للحصول على الدعم، ثم غيرت الحكومة البريطانية موقفها بمجرد أن أصبح من الواضح أنه حصل على دعم بالإجماع.

وعندما تولى خان منصبه قبل عامين ونصف العام، تعهد بالإصلاح، مع التركيز بشكل خاص على الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، فضلاً عن توسيع نطاق التركيز الجغرافي للمحكمة، التي اشتهرت تاريخياً بأنها تلاحق الحكام المستبدين، وأمراء الحرب الأفارقة فقط، وحتى في ذلك الوقت لم تكن فعالة جداً، إذ لم تحصل إلا على عشر إدانات خلال 22 عاماً من وجودها، على الرغم من دفع فاتورة تبلغ نحو 10 مليارات دولار. وقد سعى خان إلى توسيع نطاق انتشاره».

وأضاف: «لدينا حالياً تحقيقات نشطة في الفلبين، وأفغانستان، وميانمار، وبنغلاديش، وأمريكا اللاتينية، وجورجيا، وأوكرانيا، وفلسطين»، مستطرداً: «قد لا نكون مثاليين، ولكننا صادقون، ونسترشد بالأدلة، وليس بالعوامل الخارجية مثل الملاءمة السياسية».

وعن غزة؛ يشير كريم خان إلى «عدد المخابز المستهدفة.. وحقيقة قطع المياه، وعدم السماح بدخول أقراص تنقية المياه، وعدم السماح لمحطات تحلية المياه بوضع أغشية، واستهداف الآبار، وحقيقة استهداف الأشخاص الذين يصطفون للحصول على الطعام، واستهداف أشخاص من الذين يقدمون المساعدات الإنسانية»، مؤكداً أنه: «قمنا بتحليل كل ذلك بموضوعية وعقلانية».

وقال خان: «لدينا أطباء أمريكيون وبريطانيون يتحدثون عن إجراء عمليات بتر من دون تخدير، وعن موت أطفال في الحضانات بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعن أشخاص يموتون بسبب عدم وجود الأنسولين. وأضاف: «ليست هذه هي الطريقة التي يفترض أن تُشن بها الحرب. إذا كان هذا هو ما يبدو عليه الامتثال للقانون الإنساني الدولي، فإن اتفاقيات جنيف لا تخدم أي غرض».

ماذا عن الأدلة؟

ولجمع الاتهامات، اعتمد فريقه على مجموعة متنوعة من الأدلة، مؤكداً: «لدينا شهود، وأطباء كانوا هناك لإجراء العمليات، ومدى الإسهال بسبب نقص المياه. أدلة الأقمار الصناعية، ومقاطع الفيديو التي تم التحقق منها، وتصريحات الجنود والمسؤولين الإسرائيليين». ولأن القضية شديدة الاستقطاب، فقد استعان بخبراء في القانون الدولي لإعداد تقريرهم المنفصل، بما في ذلك أمل كلوني، والبارونة كينيدي كي سي، ولورد العدل السير أدريان فولفورد، والمحامي الأمريكي الإسرائيلي تيودور ميرون. وقال: «هؤلاء محامون عظماء أحترمهم بشدة، ودافعوا عن هذا المبدأ طوال حياتهم».

ويعترف خان بأن الخسائر في صفوف المدنيين هي حقيقة مؤسفة للنزاعات المسلحة، لا سيما في المناطق الحضرية، لكنه يضيف: «إن استهداف المدنيين عمداً شيء آخر. لا يمكن أن يكون لديك خطة مشتركة للعقاب الجماعي».

وفي حين كانت الانتقادات شرسة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فقد حظي قراره بدعم من فرنسا وبلجيكا وأيرلندا - ومبدئياً - من ألمانيا، وكذلك من وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، في البرلمان. وقال خان: «إنها لحظة محفوفة بالمخاطر على المستوى الدولي، وإذا لم نتمسك بالقانون، فلن يكون لدينا ما نتمسك به».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5d85wc5c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"