آندي هوم*
اختلطت العلامات من جديد في ما يخص ثروات النحاس في الصين، مع ترقب السوق أن يتخلص أكبر مشترٍ في العالم من مشاكله العقارية وينضم إلى حفلة الصعود.
وانكمش قطاع التصنيع في الصين للشهر الثاني على التوالي في يونيو/حزيران، مع بعض الإشارات الإيجابية من مؤشر مديري المشتريات التصنيعي «كايشن»، والذي يتحسس الشركات المصنعة الأصغر الموجهة إلى التصدير.
وظلت مخزونات النحاس في بورصة شنغهاي للعقود الآجلة مرتفعة عند 321,642 طناً مترياً، كاسرة النمط الموسمي للسحوبات القوية بعد عطلة رأس السنة القمرية الجديدة.
وواصلت العلاوات على أسعار النحاس المُنقى المستورد في يانغشان انخفاضها المستمر منذ شهر لتصل إلى الصفر لأول مرة منذ 2017، وفقاً لمزود البيانات المحلي «شنغهاي ميتالز ماركت».
وفي الوقت نفسه، كانت المصاهر الصينية تصدر النحاس إلى مستودعات بورصة لندن للمعادن، ما دفع المخزونات إلى الارتفاع فوق 190 ألف طن متري لأول مرة منذ أكتوبر/تشرين الأول.
ومع ذلك، تتكشف إشارات إيجابية متباينة وسط هذه الصورة السلبية. حيث سجلت واردات الصين من النحاس المكرر أرقاماً قوية بشكل مفاجئ هذا العام. وعلى الرغم من أن الصادرات بلغت أعلى مستوى لها في ثماني سنوات في مايو، فإن أحجامها لا تزال ضئيلة مقارنة بالواردات.
واستورد ثاني أكبر اقتصاد عالمي 1.61 مليون طن من النحاس المكرر في الأشهر الخمسة الأولى من العام، بزيادة سنوية قدرها 19.2%، وبلغت الواردات 3.98 مليون طن على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، وهو مستوى لم يتم تجاوزه إلا مرة واحدة على أساس سنوي في عام 2020.
في المقابل، قفزت الصادرات إلى 73860 طناً في مايو، وهو أعلى حجم شهري منذ 2016. ومع ذلك، كانت الصادرات البالغة 144300 طن خلال الفترة من يناير إلى مايو أقل بنسبة 1.7% عن نفس الفترة من عام 2023، ما يعني أن صافي سحب الصين من المعدن من بقية العالم كان أعلى بمقدار 262 ألف طن.
وكان المحرك الأساسي لجموح الواردات هو جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثاني أكبر منتج للنحاس المكرر في العالم بعد تشيلي، متجاوزة إياها العام الماضي كأكبر مورد للصين من السلعة الصناعية الحيوية. وارتفعت الواردات منها بالفعل إلى 870 ألف طن في عام 2023، من 480 ألف طن في عام 2020، وقفزت الأحجام حتى الآن هذا العام بنسبة 78% أخرى لتسجل 548 ألف طن.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين تمتلك وتدير جزءاً كبيراً من قطاع النحاس والكوبالت في الدولة الإفريقية، وتتحكم في سلسلة التوريد التي تنتهي في البر الرئيسي. حيث تبرز الكونغو كمكون استراتيجي رئيسي لسياسة الصين الشاملة لاستيراد النحاس. وعلى هذا النحو، يبقى أن نرى مدى حساسية التجارة إما للسعر أو لظروف السوق.
إلى ذلك، تستكمل الصين وارداتها المرتفعة أساساً من المعدن المكرر بكميات متزايدة من النحاس القابل لإعادة التدوير. وقد ارتفعت الواردات التي بلغت 982 ألف طن في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024 بنسبة 22.2% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويتم استخدام بعض خردة النحاس من قبل المنتجين الثانويين للمعادن المكررة، وبعضها الآخر يذوب مباشر في عمليات التصنيع. وأياً كان مسار المعالجة المتخذ، فإن ارتفاع واردات الخردة من المفترض أن يترجم إلى طلب أقل على المعادن المكررة. وهو ما يجعل واردات المعادن المكررة القوية هذا العام أكثر إثارة للاهتمام.
في الواقع، يبدو أن الصين غارقة في النحاس لدرجة أن المصاهر المحلية تشعر بالراحة في شحن المعدن إلى بقية العالم. ويمكن رؤية بعض الفائض في سوق شنغهاي للسبائك، لكن من غير المؤكد ما إذا كان بعض ما وصل يتجه إلى احتياطيات مخزون أكثر استراتيجية.
وتتطلع سوق شنغهاي للسبائك إلى شراء ما يصل إلى 15 ألف طن من الكوبالت على أمل ارتفاع الأسعار. فلماذا لم تختر النحاس، رغم توقعات الكثيرين أن تصل أسعاره إلى مستويات قياسية جديدة خلال السنوات المقبلة؟
لا يوجد أي تفسير حتى الآن، لكن جميع المعطيات تشير إلى تباطؤ شهية الصين لاستيراد النحاس المكرر في الفترة المقبلة. والمفارقة أنه في حين كانت سوق النحاس تنتظر من الصين تأكيد توقعاتها الصعودية لانتعاش التصنيع مع تعزيز الطلب على الطاقة الخضراء، لم تتوقف الدولة عن شراء النحاس.
وهذا يعني أيضاً أنه إذا تمكنت البلاد من تصحيح مسار أزمة العقارات وتداعياتها على النمو، فلن تحتاج إلى قدر كبير من النحاس المستورد كما تتوقع السوق. في الوقت الحالي، تعد شهية الصين القوية للاستيراد بمنزلة مؤشر إيجابي في صورة طلب ضعيفة. بخلاف ذلك، يمكن أن تتحول إلى مؤشر سلبي إذا استعاد الطلب الصيني زخمه.
* كاتب في «رويترز» متخصص بأسواق المعادن الصناعية